الأثنين 2018/06/04

الوجه الآخر لميسي.. والعرب

ما أشبه اليوم بالبارحة... أيام قلائل ويصل لاعب كرة القدم الشهير "ليونيل ميسي" الأراضي الفلسطينية المحتلة إلى مدينة القدس وبالتحديد إلى قرية المالحة، إحدى القرى الفلسطينية الـ 500 التي دُمرتْ إبان النكبة عام 1948، وذلك ليخوض مباراة "تضامنية" مع منتخب الاحتلال الإسرائيلي مع فريقه الأرجنتيني تحضيراً لمونديال كأس العالم، في مباراة ودية تجمع الفريقين جاءت بدعوة من تل أبيب بمناسبة احتفالها بعيد ميلاد إسرائيل السبعين، في موقف مشابه إلى حدٍ ما لقدوم إيفانكا ترامب إلى القدس الشهر الماضي كي تحتفل بافتتاح السفارة الأمريكية بعدَ أن اعترف بها أبوها عاصمة لإسرائيل.. وإن كانت الحادثتان تختلفان من حيث الشكل أيْ قدوم ميسي وايفانكا إلى القدس، لكنها تتفقان من حيث المضمون الذي ينص على التآلف مع دولة الاحتلال ودعمها، إيفانكا من باب السياسة كونها تحمل صفة مستشارةٍ لترامب وزوجة مبعوثه للشرق الأوسط جاريد كوشنر .. وميسي من باب الرياضة، واللافت أن الطرفين اختارا أشد الأوقات شناءةً وإيلاماً بالنسبة للفلسطينيين والعرب عموماً، وهو ذكرى النكبة لدى الفلسطينيين وذكرى تأسيس دولة إسرائيل، وفي كلا الوقتين كان الدم الفلسطيني يسيل بغزارة بنيران المحتلين الغزاة والجرح لم يندمل بعد.

في واقع الحال هذا التوجه من ميسي الذي يعشقه ملايين العرب ولا يفوتون مباراة له ليس الأول من نوعه، فهو كان قد سلك مضمار دعم دولة الاحتلال ومنظماتها في الأعوام السابقة بصورٍ عدة أبرزها حينما قَدِمَ إلى الأراضي المحتلة مع فريقه الكتلوني عام 2013، ووقف حينها على حائط البراق مرتدياً قبعة اليهود رغم أنه ليس يهودي كما يقول والتقى كذلك بشمعون بيريز قاتل الأطفال الفلسطينيين، وفي قوله هذا وفعله ذاك رسائل لم تصل بعد إلى العرب الذين ومنذ ذلك الحين وقبله وبعده لا يزالون يحبونه، وكم شهدت مقاهٍ ونوادٍ في العالم العربي قتالاً وعراكاً حقيقاً بعد شتم أحدهم لميسي، وكم كانت وسائل التواصل ساحةً انبرى فيها آلافٌ من عشاق ميسي للدفاع والذود عنه.

لست هنا لأفرض على الناس ما يحبون وما يكرهون ، لكني أرى ما يحصل اليوم من دعوات عربية على مستوى الشعوب وأخرى "رسمية" فلسطينية ضجّتْ بها مواقع التواصل الاجتماعي تدعو ميسي إلى العدول عن المشاركة في المباراة المرتقبة يوم الأربعاء القادم بهدف عدم تلميع دولة الاحتلال الإسرائيلي وتنتظر منه موقفاً مشرفاً، أتساءل هنا هل يختلف ميسي الأمس عن ميسي اليوم ؟ ، ألا تشبه الحال هذه والاستنكارات الحال نفسها التي سبقت قُبيل الزيارة الأخيرة لميسي إلى تل أبيب حينما قَدِمَ وتضامن والتقط الصور مع بيريز ونتنياهو غيره، وكان سبقها بيومٍ زيارة خاطفة له إلى الخليل لمدة نصف ساعة فقط حظيت بترحيب واسع لدى الفلسطينيين أنفسهم الذين تهافتوا يلتقطون الصور معه، وظلَّ هو اللاعب المحبوب لدى ملايين العرب والمسلمين، بل إني أكاد أجزم أن هذه الحال ستُطبق بحذافيرها بعد الزيارة القادمة التي سيجريها للأراضي المحتلة رغم ما جرى من قرار نقل السفارة الأمريكية للقدس ومجازر غزة.

دعونا نفرض جدلاً أن ميسي سيُصاب إصابة بالغة في هذه المباراة تحرمهُ من المشاركة في مونديال كأس العالم القادم في روسيا، أليس من الثابت أن صدى الإصابة سيشغل حيزاً لدى ملايين العرب في فلسطين وخارجها أكثر من صدى الزيارة نفسها التي ربما لا تعني للكثيرين شيئاً ؟ ، سيغادرُ ميسي وينسى العرب احتفاله مع قتلة الأطفال وسيدعون له بالتوفيق في كأس العالم، أليست قضية ميسي وغيره تشغل الكثيرين أكثر مما تشغلهم ملفات المنطقة في سوريا والعراق ولبنان وفلسطين واليمن ؟ لماذا دائماً نلوم الحكام العرب ولا ننسى ملامة كثيرين من الشعوب المسلمة التي تتضامن مع قتلة العرب في الماضي والحاضر؟.

أكثر ما يمكن أن توصف به الشعوب العربية أنها شعوب عاطفية ربما تصح فيها مقولة "الذاكرة السمكية"، إذ تجد فيها خاصية التقلب والتغيير سريعة جدا، فإذا كانت اليوم تلعن شخصية وتصفها بأقذع الألفاظ لا تستغرب إن وجدتها في اليوم الذي يليه تثني عليها وتسقط عليها أسمى معاني الشرف والثناء، أمثال هذه الحالة كثيرة جدا ، شاهدوا موجة الثناء التي حظيت بها إيفانكا خلال زيارتها الأولى مع أبوها إلى السعودية، كانت صورها تملأ الشوارع السعودية "حيّا هلا"، وكان التغزل بها والحديث عن جمالها وتسريحات شعرها قد شَغل الكثيرين على مواقع التواصل الاجتماعي، وعقب قدومها إلى القدس للمشاركة باحتفال السفارة تجد من كان يثني عليها بات يلعنها ومن كان يضع صورتها على بروفايله استبدلها بأخرى تنتقدها، ولا تستبعد أن يعود من وضعها ثم استبدلها إلى أن يضعها مرة أخرى إن لمس من إيفانكا موقفاً ما أو تغريدة على تويتر، لا تستغرب إن وجدت ملايين الإعجابات من قبل ملايين العرب على هذه التغريدة، والحال نفسها تنطبق على ترامب وضرباته الخرافية على نظام الأسد في نيسان الماضي، حينما ضجت وسائل التواصل الاجتماعي مشيدةً به وبموافقه "النبيلة الإنسانية"، ثم عادت المواقف العربية لتأخذ مؤقتاً طابعاً عدائياً بعد نقل السفارة الأمريكية للقدس، ما لبثت أن تحولت إلى عاطفية مرة أخرى بعد قراره إلغاء الاتفاق النووي مع إيران، وسبق كل هذه المجريات موقف عدائي صريح من ترامب ضد الإسلام والمسلمين الذين يتهمهم بالإرهاب.

إذن كم وجهاً حمل ميسي الداعم لإسرائيل علانية وغير الموارب لهذا التوجه، وكم وجهاً حملت إيفانكا وكم وجهاً حمل ترامب ؟ .. الجواب: وجهٌ واحدٌ فقط .. لكنْ يا ترى كم وجهاً حملته الشعوب العربية الغارقة في الأزمات والتقلبات ما بين كل يومٍ وليلة؟