السبت 2017/07/29

الواقع والوجود والتحديات: فصائل دير الزور العسكرية بين “الموك والبنتاغون وتركيا”  

فتح اتفاق "تخفيف التصعيد" الذي أقرّ في الجولة الرابعة من أستانا في الرابع من أيار، الحديث عن معركة استعادة محافظة دير الزور التي يسيطر عليها تنظيم الدولة منذ صيف 2014، وفيما كان يشبه حالةً من "سباق السيطرة" أتاح اتفاق "تخفيف التصعيد" لقوات الأسد أن تكون الطرف الأوفر حظاً في هذا السباق، أمام أطراف أخرى لدى كل منها ظروف تمنعه من أن يكون له قصَب السبق في هذا المضمار.

قبل اتفاق "تخفيف التصعيد" في أستانا 4، كانت عدة فصائل عسكرية خرجت من دير الزور عقب سيطرة التنظيم عليها، تحاول أن تضع لنفسها موطئ قدم في سباق السيطرة على المحافظة، ولعل أولى المحاولات بدأت فعلياً نهايات حزيران 2016 على يد "جيش سوريا الجديد" ( الفصيل المدعوم أميركياً )، الذي هاجم "تنظيم الدولة" على تخوم محافظة البوكمال عبر عملية إنزال جويّ بإشراف الجيش الأميركي،  بيد أن خسارة قاسية تعرّض لها "جيش سوريا الجديد" أرجأت مثل هذه المحاولة إلى إشعار آخر، ولا سيما بعد أن أشار مسؤولو "سوريا الجديد" إلى "تخاذل أميركي" أفشل عملية البوكمال.

وأمام حظوظ نظام الأسد القوية في الوصول إلى دير الزور، لا بد من استعراض واقع فصائل دير الزور العسكرية المعارضة، من حيث أعداد المقاتلين والتوزع الجغرافي وطبيعة الدعم الذي تتلقاه.

1- جيش مغاوير الثورة :

هو الاسم الجديد الذي اتخذه "جيش سوريا الجديد" عقب التجربة الفاشلة على تخوم البوكمال،  وأعلن إنشاؤه في كانون الأول 2016، ويبلغ عدد عناصره نحو 200 مقاتل، تحت إشراف وزارة الدفاع الأميركية "البنتاغون"، ويسيطر "جيش مغاوير الثورة" على معبر التنف الحدودي جنوب شرق محافظة حمص، منذ مطلع آذار 2016، بدعم من قوات التحالف الدولي.

وباعتبار أن "مغاوير الثورة" يُعتبر تابعاً لما بات يعرف بـ"فصائل البنتاغون"، فإنه مُطالب بقتال تنظيم الدولة فقط، ولا يسمح له بقتال قوات الأسد، ولهذا قامت الولايات المتحدة بمنع مليشيات الأسد وإيران من التقدم نحو معبر التنف في أيار 2017، واستهدفت المقاتلات الأميركية أكثر من ثلاث مرات أرتالاً من تلك المليشيات، واعتبرت منطقة التنف خطاً أحمر، ثم جرى على ما يبدو اتفاق أميركي روسي سمح  لمليشيات النظام بالالتفاف على منطقة التنف، والوصول إلى الحدود العراقية بعد السيطرة على "خربة رأس الوعر"، وهذا ما قطع طريق "جيش مغاوير الثورة" إلى محافظة دير الزور بشكل نهائي، ولا سيما بعد تمدد مليشيات النظام شرقاً ودخولها بشكل فعلي الحدود الإدارية لدير الزور إثر السيطرة على منطقة حميمة في البادية السورية.

ويدور الحديث حالياً عن انتقال عناصر "مغاوير الثورة" من التنف إلى الشدادي التي تسيطر عليها "قوات سوريا الديمقراطية" في خطوة تستهدف إلحاق "المغاوير" بتلك القوات التي تشكل مليشيات "ب ي د" الكردية عمودها الفقري، ليبقى في معبر التنف نحو 300  جندي أميركي إضافة إلى 40 جندي بريطاني، ولعل هذا هو السبب المباشر الذي جعل "لواء شهداء القريتين" يعلن انسحابه من "جيش مغاوير الثورة" قبل أيام، حيث قال قائده "محمد القاسم" إن سبب الانسحاب هو أن التحالف الدولي أبلغهم بعدم قتال نظام الأسد بالمطلق واقتصار القتال على تنظيم الدولة فقط.

ويتوقع أن يشارك "مغاوير الثورة" في هذه الحالة بالقتال إلى جانب المليشيات الكردية في ريف محافظة الحسكة الجنوبي ( مركدة ) ، وصولاً إلى ريف دير الزور الشمالي والشمالي الغربي.

2- جيش أسود الشرقية :

تشكّل في الخامس من آب عام 2014، عقب انسحاب فصائل الجيش الحر من دير الزور بعد سيطرة تنظيم الدولة عليها، ويضم تشكيل "جيش أسود الشرقية" تحالفاً لمجموعة فصائل تحارب نظام الأسد وتنظيم الدولة معاً، أبرزها: ( لواء الفتح، لواء ابن القيم، لواء الأحواز، لواء درع الأمة، لواء عمر المختار، لواء القادسية، كتيبة الحمزة، كتيبة أحفاد عائشة، تجمع عبدالله بن الزبير، بيارق الشعيطات، كتيبة أبو عبيدة بن الجراح".

انضمت فصائل "أسود الشرقية" إلى تشكيل "جيش سوريا الجديد" المشكل في تشرين الثاني 2015، ثم  أعلن انفصاله عن هذا التشكيل عبر بيان في 28-كانون الأول 2016، معتبراً ذلك "خطوة لاستقلاله السياسي والعسكري والإداري".

ينشط في منطقتي البادية السورية والقلمون الشرقي، ويتبع لغرفة عمليات "الموك" في الجنوب السوري، بتعداد مقاتلين يبلغ نحو 800 عنصر، وخاض "جيش أسود الشرقية" معارك مزدوجة ضد قوات الأسد وتنظيم الدولة في البادية الشامية، ونستطيع أن نقول إنه تفرَّغ عبر معركة "الأرض لنا" ( أطلقها مطلع حزيران 2017 )  لقتال قوات النظام في البادية بعد أنهى وجود التنظيم في تلك المنطقة أواخر آذار 2017.

وهنا يظهر الفرق الجوهري بين "أسود الشرقية" و "مغاوير الثورة"، حيث لا خطوطَ حمراء أمام "أسود الشرقية" في قتال النظام، مقابل منع "المغاوير" من ذلك، ورغم تأكيد قائد "أسود الشرقية" طلاس السلامة قبل أيام أن معارك البادية ضد قوات النظام تستهدف منعه من التقدم نحو دير الزور، وأن دعم "الموك" لم يتأثر بقرار ترامب حول وقف دعم المعارضة، إلا أن الولايات المتحدة بدأت بالفعل ممارسة ضغوط على هذا الفصيل مهددة إياه بوقف الدعم، إذا هو أصرَّ على متابعة قتال النظام في البادية، مطالبة إياه بالانضمام إلى "مغاوير الثورة" ليصبح ضمن قائمة "فصائل البنتاغون.

وهنا يقف "جيش أسود الشرقية" أمام تحدٍّ كبير يبدو أنه لم يحسمْه بعدُ، يتمثل إما بالانضمام الكامل إلى المشروع الأميركي ( الذي يمنع قتال النظام)، أو بفقدان الدعم كلياً، وفي كلتا الحالتين يظهر الحديث عن مشاركته في معركة دير الزور بعيداً عن الواقع في هذه المرحلة.

3- أحرار الشرقية :

في 23-1-2016 أعلن "أحرار الشرقية" العامل في ريف حلب بيانه التأسيسيّ، وهو كسابقاته تجمع لعدة فصائل خرجت من محافظة دير الزور صيف 2014 ، موضحاً في البيان أنه "مستقل، ولا يتبع أي جهة كانت".

وبرز اسم "أحرار الشرقية" ( الذي يضم نحو 800 مقاتل ) بعد دخوله في عملية "درع الفرات" التي انطلقت بدعم تركي في 23-8-2016 ، حيث ساهم قتال عناصره النوعي بطرد تنظيم الدولة من مناطق شمال وشمال شرق حلب، وظهر على ساحة الأحداث في 16-9-2016 ، حين رفض مشاركة قوات أميركية في معارك بلدة الراعي على الحدود التركية، وهدد بالانسحاب إثر ذلك من "درع الفرات".

يأمل فصيل "أحرار الشرقية" (كغيره من فصائل دير الزور) أن يشارك في معركة تحرير محافظته من قبضة تنظيم الدولة، لكن الآمال إزاء ذلك تبدو بعيدة في ظل عدة وقائع، أولها انفصاله جغرافياً عن فصائل دير الزور الموجودة في البادية السورية، وهذا ينطبق على جميع فصائل "درع الفرات" التي يحدها من الغرب والشرق تنظيم "ب ي د" ومن الجنوب نظام الأسد.

ويبدو فصيل "أحرار الشرقية" من جهة ثانية مجبراً على الانضمام للمشروع التركي القائم في الشمال السوري، والذي يسعى إلى تشكيل "جيش وطني" يتولى إدارة المناطق المحررة بمحافظتي حلب وإدلب.

4- مقاتلو دير الزور في إدلب :    

باستثناء التشكيلات الثلاث التي ذكرناها آنفاً، يتوزّع مقاتلو محافظة دير الزور بشكل أساسي في محافظة إدلب التي شاركوا في السيطرة عليها كاملة في أيار 2015، ولا يوجد تشكيل خاص لهؤلاء المقاتلين على غرار الفصائل السابقة، فنحو 300 منهم يقاتل مع هيئة تحرير الشام "النصرة سابقاً"، فيما اختار نحو 300 آخرين كانوا في صفوف "أحرار الشام" الخروج من إدلب إلى جرابلس.

بانتظار وضوح أكبر في الرؤية حول طبيعة الاتفاق الذي جرى بين الولايات المتحدة وروسيا بشأن تقاسم مناطق النفوذ في محافظة دير الزور، يحاول التحالف الدولي إقناع فصائل محافظة دير الزور بمشاركة "قوات سوريا الديمقراطية" في طرد تنظيم الدولة من منطقة "الجزيرة" في ريف دير الزور الشمالي والغربي، الذي يُفترض أن يكون تحت سيطرة أميركية، فيما يسيطر نظام الأسد بإشراف روسي على منطقة الشامية في المحافظة، وتكون مدينة دير الزور ضمن هذا النفوذ.