الأثنين 2018/01/01

“القارة السمراء” والحلم التركي الجديد

لا يخفى على أحد النهوض الاقتصادي الكبير الذي حققته تركيا في العقد الأخير بعد وصول حزب العدالة والتنمية إلى سدة الحكم في هذا البلد، هذا التطور الاقتصادي وما رافقه من عودة الثقة التركية بالنفس وتنامي القدرات السياسية والعسكرية جعل منها قوة إقليمية سياسياً واقتصادياً وعسكرياً لا يُستهانُ بها تتطلع إلى توسيعِ دائرةِ نشاطِها الخارجي ككل الدول التي تشعر بقوة داخلية تريد ترجمتها إقليمياً ودولياً وخاصة في دولة مثل تركيا تَعتبر نفسها سليلة إمبراطورية كبرى امتدت من أقصى إلى أقصى في يوم من الأيام، كان من الطبيعي أن تتجه تركيا إلى محيطها الأقرب فكرياً واجتماعياً وجغرافياً وهو الوطن العربي وهنا نتكلم عن دول المشرق بالذات، ففي هذا الاتجاه شهدنا حراكاً تركياً نحو سوريا قبل الثورة وتضخمت العلاقات التركية السورية في ذاك الوقت على مختلف الأصعدة والمجالات لكنها ما لبثت أن انتهت عقب الثورة السورية وانحياز الأتراك لها رافضين ومنددين بجرائم نظام الأسد ضد الشعب السوري وداعمين لقوى ثورية مختلفة على الأرض، كما أن تركيا حاولت أن تلعب دوراً كبيراً في دعم قوى الربيع العربي في مختلف دوله، فبنت جسور العلاقات معها مراهنة على إرادة الشعوب في تقرير مصيرها (وحقيقة لا ندري إن كان هذا الموقف نابعاً من باعث أخلاقي بحت أم إن مصالح سياسية كانت وراء الحماس التركي لدعم الحراك الثوري في دول الربيع) لكن هذا المسار الجديد اصطدم بمشروع الثورات المضادة الذي قادته دول عربية وعلى رأسها الإمارات العربية المتحدة بدعم ورضا أمريكي تم من خلاله تقويض الطموحات التركية بدخول العالم العربي من معبر التغيير والثورة، من المؤكد أن ما حصل أثَّر في الدور الذي تريد تركيا أن تلعبه خارج حدودها سلباً لكنه لم ينه ذلك الحلم الذي لا أعتقد أن تركيا تود التخلي عنه، ما دفعها إلى التوجه هذه المرة للقارة السمراء أرض الثروات وذات الموقع الاستراتيجي الهام جداً، حيث بدأت الجسور التركية تمتد إلى إفريقيا فبَنَت أنقرة علاقات وطيدة مع الصومال إحدى دول القرن الإفريقي المطل على مضيق باب المندب ذي الأهمية الكبرى عالمياً، تمثل هذا الدعم ببناء قاعدة عسكرية في العاصمة مقديشو وتقديم مساعدات عسكرية تمثلت بتدريب الجيش الصومالي إضافة إلى المساعدات المالية للحكومة وتقديم منح للطلاب الصوماليين في تركيا ودعم التعليم فيها،

كما إن الجولة التي قام بها مؤخراً الرئيس التركي في إفريقيا عمَّقت جذور الامتداد التركي إلى هذه البقعة من الأرض ورسمت خريطة التعاون وخاصة مع ذلك الجزء الإفريقي المطل على البحر الأحمر والذي يشهد تهافتاً من كل القوى التي تريد أن تكون مؤثرة في المنطقة وعلى رأسها إيران التي دعمت الحوثيين في اليمن بهدف أن يكون لها منفذ على هذا البحر وإسرائيل التي تعتبر هذا الملف بالنسبة لها سيادياً، وتركيا التي تريد أن تكون قريبة من ساحة التغييرات في الخليج العربي ومشرفةً على ما يطبخ شمال البحر الأحمر بأيد سعودية مصرية إسرائيلية وخاصة بعد التنازل المصري عن جزيرتي "تيران وصنافير" لذلك كان الهدف الأكبر من هذه الزيارة هو السودان التي رسمت تركيا معها شكل العلاقة المستقبلية فشرعت الدولتان بتأسيس مجلس التعاون الاستراتيجي بينهما إضافةً إلى تخصيص جزيرة "سواكن" السودانية للأتراك من أجل تأهيلها وترميمها باعتبارها كانت قاعدة عثمانية قديمة في البحر الأحمر وبذلك تكون تركيا أصبحت مشرفة على البحر الأحمر الذي سيكون برأيي في لاحق الأيام محور الصراع بين كثير من القوى الإقليمية والدولية.