الأربعاء 2018/12/05

العرب يغازلون الأسد.. ماذا بعد؟

 "العلاقة بين الكويت ودمشق مجمدة وليست مقطوعة".. جملة قالها نائب وزير الخارجية الكويتي "خالد الجار الله" قبل أيام، لعلها تختصر عناوين كثيرة، وأسئلة مفتوحة تبحث عن أجوبة دون طائل.

"العلاقة مجمدة وليست مقطوعة".. وهل يمكن لكل ما جرى في سوريا أن يؤدي إلى "قطع العلاقات"؟.. هل بدأ كشف الأقنعة العربية أم إن البعض قام بالتصريح والبعض ينتظر الفرصة الملائمة ليقول ما قاله نائب وزير الخارجية الكويتي؟

 

"الجار الله" كشف من خلال حديثه السابق أن "بعض الأشقّاء في الدول العربية تقدّموا بمثل هذه الطلبات وهم بصدد إعادة ترتيب أوضاع سفاراتهم في دمشق"، في إشارة إلى ما تسعى له الإمارات من "إعادة علاقاتها" مع نظام الأسد.

وتزامن هذا الحديث مع زيارة وفد برلماني أردني "رفيع المستوى" لنظام الأسد قبل أيام كذلك.

هذا بالإضافة إلى تصريحات من دبلوماسيين مصريين تصف العلاقة مع نظام الأسد "بالجيدة".

قد تبدو هذه المعلومات غريبة على بعض المتابعين، لكن جمهوراً عريضاً لا يرى عجباً في كل ذلك، مستنداً إلى مبدأ بسيط يفسّر كل شيء..

هم لم يريدون أصلاً إسقاط الأسد.. بل أرادوا بشكل حرفي "تربية الشعب السوري"، الذي رأوا أنه يهدّد منظومة الحكم العربية القائمة منذ عقود، والتي قد يَظهر بين أركانها خلافات على العلن، غير أنها جميعاً تسبح في نفس الفلك، وتعلم أنها تواجه نفس العدو.. الشعب.

نعم.. ما الذي فعله العرب للسوريين؟ وهل أرادوا فعلاً إسقاط بشار الأسد؟ وما الغاية من الهرولة الآن نحو عودة العلاقات؟ أسئلة تفرض نفسها كلما وردت أخبار حول التطبيع مع النظام.

في واقع الأمر لم يقدّم العرب كغيرهم من دول الأرض للسوريين سوى أن فريقاً منهم باعوهم الوهم، واتخذوا من دمائهم ونكباتهم ورقة للتفاوض ومادة للبيع والشراء في سوق السياسة، وصارت القيامة السورية لديه ملف ضغط ومساومات تتعلق بملفات أخرى.

بعضهم ظهر كعدو شرس للنظام، وأطلق آلاف المرات عبارة "سيسقط بالحُسنى أو بالقوة"، والبعض ارتدى لَبوس الإنسانية واكتفى به مخرجاً لحفظ ماء الوجه.

هذا ناهيك عن دول أخرى لم تكتفِ بالصمت، بل إنها دافعت بقوة عن إجرام الأسد إما لدواع طائفية (العراق ولبنان حزب الله مثالاً)، وإما لاعتبارات ذاتية، كما فعلت الجزائر بوتفليقة، صاحبة التاريخ القريب من تجربة قريبة مما حدث في سوريا.

على أيّة حال.. يحقّ لي أن أسأل العرب كمنكوب سوري: لماذا لا يزال بعضكم يخجل من التطبيع؟ وهل فعلتم أصلاً ما يغضب نظام الأسد وداعميه منكم؟ في الوقت الذي كانت فيه روسيا تفتك بالسوريين قتلاً وتدميراً وتهجيراً كنتم تهرولون للقاء بوتين، بل إن بعضكم أهداه سيفاً دمشقياً كعربون ودّ ومحبة، وكأن مُهدي السيف يقول لبوتين ها نحن نسلّمك دمشق وسوريا كهدية محبة.

هل يغضب الأسد منكم لأنكم "قلّدتم" الأوروبيين واحتضتنم آلاف اللاجئين السوريين وكرّمتموهم؟ بالتأكيد الأسد راضٍ عن أدائكم في هذا المضمار، إذ صار السوريّ اللاجئ بالنسبة إليكم منبوذاً رجيماً تحت ذريعة الإرهاب..

أصبح السوري في نظركم إرهابياً بينما كنتم على "علاقات غير مشروعة" مع الإرهابيين الحقيقيين في دمشق وموسكو وطهران.

كل أهل الأرض يدخلون الأقطار العربية بمنتهى السهولة، بينما صارت الخارطة العربية بقعة محرمة على السوريين (ربما باستثناء السودان مشكوراً)..بالتأكيد لن يغضب صاحبكم الأسد طردكم للاجئين السوريين في قمة حاجتهم، والتضييق عليهم بفرض رسوم لإقامتهم ودراسة ومعالجة أطفالهم!

يا أصحاب الجلالة والفخامة والسموّ..هل يغضب صاحبُكم الأسد من تآمركم على السوريين خلال سبعة أعوام تقولون فيها أمام الشاشات ما لا يدور على الطاولات المظلمة؟

بعضكم ساهم في تفرقة المعارضة السياسية عن طريق جعلها أحزاباً وشيَعاً ولاؤها للداعم لا للسوريين، وبعضكم أدى دوراً متقناً في دعم حركات التطرف في سوريا على حساب التشكيلات الوطنية المسلحة، بل إن من دعم منكم فصائل الجيش الحر حاول أن يجعل الفصيل الذي يدعمه ذراعاً عسكرية له في المناطق المحررة.

نعم.. أنتم من ضغط على فصائل الجيش الحر لإيقاف المعارك الفاصلة في دمشق والساحل، وأنتم من وضع الخطوط الحمر حول بعض القرارات التي كانت ستؤدّي إلى إسقاط الأسد.

تأثيركم -يا سادة- امتدّ إلى تفاصيل الثورة.. حتى الإعلام الثوري أردتم له أن يكون بقبضتكم وتحت رحمتكم، لأنكم لا تقدّمون شيئاً بالمجّان أو "لوجه الله والسوريين" كما تروّجون في وسائل الإعلام.

 كل ما يخص الثورة من تفاصيل كان بالنسبة لكم سلعة لها ثمن، ولها تاريخ انتهاء ذات انطبق عليكم -أيها القوم- مثلُ من استأمن احداً على حياته وعِرضه فاتخذ من ذلك قيوداً على الملتجئ، فكان كمن استجار من الرمضاء بالنار!.  

أخبروني بالله لماذا يخجل بعضكم حتى اللحظة من إشهار علاقته السريّة مع الأسد؟ ولماذا يعتبر بعضكم أنه كان بالفعل عدواً للأسد منذ 2011؟

لعمري لم تتدخّلوا لإنقاذ الأبرياء، بل إنكم حاولتم أن تجعلوا السوريين نموذجاً أسود للشعوب المطالبة بالحرية..

أنتم تنبتون في نفس التربة التي صار منها الأسد رئيساً، وتتبعون نفس نهجه بطرق مختلفة، البعض يستعبد شعبه بالكرباج، وآخرون يستعبدون شعوبهم باللقمة.

هل تصدّقون أننا صدّقناكم؟ وهل من مصلحتكم أن تنجح الثورة السورية وتصبح شعاراً لحركات تحرُّر مشابهة في المنطقة؟ نحن لسنا ساذجين، لكننا منّينا نفوسنا بأن النخوة النائمة تحرّكت في غفلة من التاريخ، وأن مناظر الدم والهولوكوست الفظيع الذي عاشه السوريون صدم وجدانكم المخدّر.. وكم وكم كنا مغفّلين وساذجين وابتلعنا الصورة الحقيقية متأخّرين. ماذا بعد المغازلة وإرسال رسائل التقرّب الواضحة؟