الثلاثاء 2016/12/27

الطريق إلى أستانة

من يجر العربة ، ومن ينزع الألغام

دائما بعد أن تضع الحرب أوزارها تعقد مؤتمرات لتقرر ما بعد الحرب، وليس ببعيد عن الذاكرة مؤتمر يالطة 1945؛ يالطة المدينة السوفييتة؛ الواقعة على ساحل البحر الأسود، وقد اجتمع فيها الأمريكان والسوفييت والبريطانيون لتقرير مصير العالم.

بوتين يحاول استدعاء النموذج والحالة، بعد معركة حلب؛ ليعطي إيحاء للمتابعين أننا على تخوم عالم جديد، وقد حُسم الموضوع لصالح روسيا في الشرق الأوسط، وقد أعلنت ثلاثة مبادئ أساسية منطلقا لهذا المؤتمر.

أولا وقف شامل لإطلاق النار في سوريا، وتنفيذ القرار 2254، واستبعاد الحل العسكري وتوجيه البنادق ضد جبهة فتح الشام وتنظيم الدولة.
والضامن الأساسي لهذه الوثيقة فيما لو تم الاتفاق عليها روسيا، وتركيا.

الجديد في القضية الدبلوماسية للثورة السورية أن فصائل عسكرية إسلامية ستشارك في مارثون المفاوضات، هذه الفصائل ؛ التي سعت روسيا جاهدة فيما مضى، لتصنيفها إرهابية، مثل : « حركة أحرار الشام الإسلامية» و «جيش الإسلام» و «جيش المجاهدين» و «حركة نور الدين زنكي» و «الجبهة الشامية»، أضف إلى ذلك قيادات من الجيش الحر ، ويعد هذا اعترافاً روسياً لأول مرة بشرعية فصائل عسكرية إسلامية معارضة، بينما لاقى هذا الإقرار امتعاضاً ورفضاً من نظام بشار الأسد والإيرانيين، ولكن الإقرار حدث برعاية تركيا، بعد اجتماعات مطولة في أنقرة ضمت قيادات من هذه الفصائل و ضباطاً من هيئة الأركان والاستخبارات العسكرية الروسية ، وحرص الروس على توقيع ثلاثي (روسي وتركي -كطرفين ضامنين- مع ممثلي الفصائل ) على محاضر الاجتماعات، وسُجلَ الموقف السياسي والعسكري لكل طرف ونقاط التقاطع والاختلاف بين الروس والفصائل.


الهدف من هذه المفاوضات في نهايته إذا كتب لها النجاح تطبيق القرار 2254 ،الذي نص على تشكيل «حكم تمثيلي غير طائفي» يمهد لدستور جديد تجري بموجبه انتخابات بإدارة الأمم المتحدة، يضاف إلى ذلك تمسك الأطراف السورية بوحدة الأراضي السورية وتحقيق دولة تمثل الشعب السوري بكامله، وستوثق هذه القرارات لتنقل إلى جنيف لشرعنتها برعاية دولية.
الألغام أمام مؤتمر أستانة :
موسكو تريد مشاركة نظام الأسد والأكراد والفصائل المقاتلة الفاعلة والمعارضة المعتدلة مع استثناء «الهيئة العليا للمفاوضات » برئاسة منسقها رياض حجاب، و أنقرة تريد مشاركة «الهيئة العليا للمفاوضات » وترفض أن يكون وفد «الاتحاد الديموقراطي الكردي» الذي تعتبره فصيلاً إرهابياً ضمن المعارضة.

نظام الأسد بدعم من طهران يرفض مطلقاً حضور القادة العسكريين والجلوس مقابل قادة فصائل إسلامية، والروس بحثوا في صيغة وسط لآليات توجيه الدعوات بينها أن تكون طاولة الحوار السوري- السوري دائرية، وليست مستطيلة بين حكومة ومعارضة، وأن تكون الدعوات فردية من جميع الكتل والمنصات وليست للكتل السياسية، فيما تم طرح فكرة دعوة رؤساء سابقين للائتلاف الوطني، وقياديين في الهيئة العليا للمفاوضات مثل: معاذ الخطيب، وأحمد جربا ، وهادي البحرة، بينما ظل موقف الهيئة العليا للمفاوضات متأرجحاً بين الرفض، وترك الباب موارباً ، لاحتمال القبول في نهاية المطاف.

لب القضية الذي مازال ملتبساً

كل الحوارات الافتراضية؛ التي ستجري في أستانة عن نتائج الحرب الطويلة؛ التي شنها بشار الأسد ضد السوريين، الذين أرادوا إسقاط نظام حكمه، وظلت رؤية الضامنين لاجتماع أنقرة، ومن ثم مؤتمر أستانة بعيدة عن حسم القضية الأساسية؛ فقد تبلغت موسكو أن أنقرة «لم تغير موقفها من بشار الأسد»، الذي تصر على أنه «لا يستطيع الحكم بعد المرحلة الانتقالية»، على عكس موسكو، التي تقول إنه «هو الرئيس الشرعي والقرار بأيدي السوريين»، وطهران التي تعتبر «بقاء الأسد خطاً أحمر». وبحسب مسؤول مطلع، فإن تفسير كل طرف العملية السياسية الموعودة مختلف، فـ «موسكو تريد عملية سياسية انتقالية مضبوطة تفتح الطريق أمام بقاء مؤسسات الدولة واستعادتها وإجراء الانتخابات الرئاسية لتقرير مصير الأسد وبقائه أولا. وطهران تريد عملية سياسية تثبت بقاء الأسد مع إمكان تنازله عن صلاحيات لرئيس الحكومة وتشكيلتها، وأنقرة تريد عملية سياسية تسفر مرحلتها الانتقالية عن استعادة وحدة سورية ،ومنع الفيديرالية الكردية.

من يقلب طاولة أستانة

كل الملفات المطروحة على طاولة أستانة معقدة، وكل خبراء الدبلوماسيسة الذين يباشرونها لم يستطيعوا حتى الآن تفكيك الألغام الحقيقية للمسألة، فسنوات الحرب الطويلة أنتجت ملفات معقدة، نفذت بدقة، من بينها مسألة اللاجئين، الذين تجاوزوا عشرة ملايين، ينتمون للمذهب السني ؛ أي أغلبية الشعب السوري، وهذا استحقاق تتمسك به إيران محاولة منع اللاجئين من العودة إلى سوريا وتوطينهم في بلاد اللجوء ليبدأ استثمارها الطائفي في سوريا، هذا الاستثمار الذي يتناقض إديولوجيا مع مشروع الدب الروسي ، الذي يريد من خلال مؤتمر أستانة أن يفرض رؤاه على طاولة الحوار، أضف إلى ذلك أن الحديث عن دولة كردية أو حتى فدرالية كردية قد انتهى بحسب طاولة أستانة، لأن الإحصائيات تشير أن عدد الأكراد في الوقت الحالي في المناطق؛ التي يسيطر عليها الأكراد وأعلنوا فيه إدارتهم الذاتية قد تقلص إلى نسبة 15%، أضف إلى ذلك هوية قادة المليشيات المنحدرين من جبال قنديل، مما يجعل هذا الملف قنبلة، مؤهلة للانفجار على الأقل على الطاولة إذا لم نقل قبل الوصول إليها، وتبقى مسألة الضمانات المزعومة على المحك، بينما يحاول النظام بدعم إيراني استثمار الوقت للسيطرة على محيط دمشق ذهابا إلى جبال القلمون ، ليحبس السوريون من جديد أنفاسهم لصراع دموي جديد عنوانه قتال تنظيم الدولة وجبهة فتح الشام ، بينما يدفع المدنيون أرواحهم فاتورة طاولات الحوار السياسية .