الأحد 2018/04/15

الضربات الثلاثية لمواقع نظام الأسد.. رسائل صاروخية

على عكس الضربة المحدودة التي نفذتها الولايات المتحدة الأمريكية في شهر نيسان / إبريل من العام الماضي والتي استهدفت مطار الشعيرات العسكري بريف حمص فقط، وجه التحالف الثلاثي ( أمريكا – بريطانيا – فرنسا) ضربات جوية وصاروخية واسعة ضد مواقع عديدة تابعة لنظام الأسد، وطالت هذه المرة قواعد عسكرية تابعة لألوية الحرس الجمهوري اليد الضاربة للأسد وقواعد إيرانية في محافظة درعا.

الضربات أحدثت انقساماً في الآراء حول تأثيرها وفعاليتها، وتراوحت ردود الأفعال بين مرحب ومعارض، وبين من يرى أنها حققت أهدافها ومن يعتقد أنها لم تحدث أي نتائج بالنظر إلى التأثير العسكري وعدم سقوط قتلى أو جرحى أو نشر القوى المهاجمة أي صور تظهر حجم الدمار الذي أحدثته في المطارات العسكرية التي تم ضربها والحديث هنا عن مطار حماة – الضمير - المزة.

لايزال من المبكر جداً الحديث عن النتائج العسكرية التي أحدثتها الضربات خاصةً وأن النظام حاول امتصاص الصدمة وتمثيل دور الغير متضرر، وعملت وزارة الدفاع الروسية على الترويج لرواية مفادها أنه تم اعتراض 73 صاروخاً "توماهوك" من أصل 100 أطلقت من البوارج الحربية، وذلك على الرغم من عدم اشتراك الدفاعات الجوية الروسية أبداً في صد الهجوم، وحديث الخبراء العسكريين عن أن الدفاعات الجوية التي يمتلكها نظام الأسد غير قادرة على التصدي بفعالية لهذا النوع من الصواريخ المجنحة.

كما أن إلغاء أي قيمة سياسية للضربات أمر مجانب للصواب، فهل حشدت ثلاث دول أسطولها وطائراتها كأكبر قوة يتم تجميعها في الشرق الأوسط منذ حرب العراق ،وأنفقت قرابة الـ300 مليون دولار أمريكي فقط من أجل الاستعراض، ثم لماذا أصلاً تشترك الدول الثلاثة في الضربة ولم تكتفِ أمريكا بتنفيذها كما حصل في مطار الشعيرات العام الماضي؟

سعى التحالف الثلاثي الذي يعيش صراعاً ممتداً مع روسيا منذ احتلال الأخيرة شبه جزيرة القرم عام 2014 إلى التأكيد مرة جديدة على أنه الطرف المسؤول عن حماية القوانين والأعراف الدولية المتمثلة بمحاسبة من يستخدم السلاح الكيماوي، وإبراز روسيا أنها دولة مارقة لم تأتِ إلى سوريا بطلب من "حكومة شرعية" وإنما مسؤولة عن مساندة نظام يقتل شعبه بالأسلحة الكيماوية، وفي هذا السياق يمكننا تفسير لجوء الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا إلى مجلس الأمن ابتداءً لإظهار موسكو بأنها تستخدم حق النقض ( الفيتو) للدفاع عن "الأسد" الذي استخدم الكيماوي وتعطل تحرك العدالة الدولية ضده، رغم أن التحالف الثلاثي كان قادراً منذ البداية على توجيه ضربات تأديبية على غرار ضربة مطار الشعيرات ودون هذه السجالات ، لكن الرغبة بالانتقام من بوتين كبيرة والأمر أبعد من تأديب الأسد فقط وخاصة بعد تصاعد حدة التوترات بين موسكو وبريطانيا والمعسكر الغربي عموماً على خلفية تسميم العميل الروسي المقيم في لندن "سكريبال".

المعسكر الغربي وعن طريق تشكيل تحالف من عدة دول وتنفيذ ضربات شارك فيها سلاح الطيران في تحدٍّ كبيرٍ للدفاعات الجوية الروسية المتمركزة في الأراضي السورية ، يريد أن يوجه رسالة لبوتين المنتشي بإنهاء ملف الغوطة الشرقية لصالحه بأنه ليس صاحب الكلمة الوحيدة والنهائية في سوريا، وأن الحجة التي دخل إلى الأراضي السورية بالاستناد لها ( دعوة الحكومة الشرعية) ليست مقبولة، فالسلطة الحاكمة بدمشق ماهي إلا نظام قاتل يستخدم الكيماوي ضد شعبه، ولا يمكن تعويمه وفرضه على المجتمع الدولي من جديد تحت وقع التقدم العسكري والميداني، وبأن الذرائع كثيرة لعملية إسقاطه عسكرياً في حال لم تتم العودة إلى مسار جنيف المرعي من قبل الأمم المتحدة والعالم والذي من المفترض أن ينتج عنه توليفة تراعي مصالح الجميع، ويمكننا تلمس ذلك من خلال قراءة دلالة اختيار بنك الأهداف التي تم ضربها والتي لم تقتصر على مراكز إنتاج وتخزين الكيماوي بل امتدت لتشمل مقرات سيادية ومسؤولة مباشرة عن حماية قصر الأسد كمطار المزة العسكري الذي يضم مركزاً رئيسياً لفرع المخابرات الجوية أهم الأذرع الأمنية عند النظام، وكذلك كتيبة الدفاع الجوي في جبل قاسيون، واللواء 105 التابع للحرس الجمهوري.

تركيا التي تعتبر الخاصرة الجنوبية لحلف شمال الأطلسي ( الناتو ) والتي بات الحلف مهدداً بخسارتها لصالح موسكو ، كانت أيضاً من ضمن الجهات التي سعى التحالف الثلاثي لإيصال رسائل لها.

فبعد التدخل الروسي المباشر في سوريا عام 2015 واستمرار واشنطن في التحالف مع الميليشيات الكردية التي تصنفها أنقرة على قوائم الإرهاب وتعتبرها ذراعاً سوريةً لحزب العمال الكردستاني، وجدت تركيا نفسها مضطرة للتفاهم مع موسكو حول تحركاتها في سوريا، ومع المحاولة الانقلابية الفاشلة التي نفذها ضباط من الجيش مدعومين من حركة الخدمة على الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ووجود مؤشرات على تواطؤ غربي، ومسارعة روسيا إلى إدانتها تعززت العلاقات أكثر فأكثر بين أردوغان والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، واشترك البلدان إلى جانب إيران في مسار أستانا الخاص بسوريا، مع تجاهل شبه تام للدور الأمريكي والغربي، لتأتي قمة أنقرة بين تركيا وروسيا وإيران قبل عدة أسابيع كتأكيد إضافي على السعي لتشكيل محور ثلاثي يجمعه الغضب من السياسات الأمريكية والأوروبية ، فجاءت عملية التصعيد الغربي – الأمريكي مع روسيا في سوريا ووضع نظام الأسد في دائرة الاستهداف كرسالة للأتراك بأن الملعب لن يكون خالياً للروس، وبالتالي لا يمكنها التعويل على تفاهمات مع روسيا فقط من أجل تحقيق مصالحهم في سوريا.

تركيا ردت على الرسالة بشكل متوازن تتضمن تأييد الضربة العسكرية ضد نظام الأسد والمطالبة برحيله كتحرك يتناسق مع كونها عضواً في حلف الناتو وحليف للولايات المتحدة وكدولة تتبنى خيار الشعب السوري بالانتقال السياسي، كما رفضت التصعيد والمواجهة بين الروس والأمريكيين في سوريا، وسعى الرئيس التركي رجب أردوغان للتوسط بين الجانبين وتخفيف التوتر في خطوة تهدف لحماية مصالح أنقرة مع موسكو.

إن الضربات العسكرية لا تخلو من محاولة الرئيس الأمريكي "ترامب" ورئيسة الحكومة البريطانية "تيريزا ماي" من استثمارها داخلياً، على اعتبار أن التحقيقات حول ارتباط حملة ترامب الانتخابية بروسيا مستمرة ودخلت فصلاً جديداً أجبرت أحد ممولي حملته على الاستقالة، فالتصعيد السياسي ضد موسكو والعسكري ضد حليفه الأسد سيساعده على الرد العملي على اتهامه بالتعاون مع الروس للوصول إلى البيت الأبيض، وعلى الجانب الآخر فإن الأصوات التي تتهم "ماي" بأنها أضعف رئيسة حكومة مرت على بريطانيا تصاعدت في الآونة الأخيرة على خلفية تسميم المخابرات الروسية للعميل "سكريبال" المقيم في لندن، فكان اشتراك الحكومة البريطانية في الضربات العسكرية فرصة للرد على المنتقدين.

مؤشرات كثيرة على أن الضربات لن تنتهي عند هذا الحد، فقد أكدت وزارة الدفاع الأمريكية ( البنتاغون) بعد الضربات أن نظام الأسد لازال يحتفظ بجزء كبير من البنية التحتية الخاصة بالأنشطة الكيماوية، أي أن ذريعة التدخل العسكري مستمرة وقائمة كلما أرادت الولايات المتحدة ذلك، كما أن وزارة الدفاع الروسية تعهدت بعدم مرور الضربات دون ردة فعل، ولا يشترط أن تقوم بذلك بشكل مباشر وإنما يمكن اللعب بورقة ميليشيات الحشد الطائفي المدعومة إيرانياً و التي هددت قبل أيام بأنها ستهاجم القوات الأمريكية في منطقة شرق الفرات، مما قد يدفع الأمور للمزيد من التصعيد خاصة وأن إيران التي تتخوف من انهيار الاتفاق النووي في شهر أيار ستكون بحاجة لتسخين كافة الجبهات كأوراق ضغط سواء في سوريا أو اليمن أو السعودية.

وعلى صعيد الثورة السورية، فإن كانت الضربات لم تحقق أي ضرر عسكري بنظام الأسد، فإنها فوتت عليه فرصة الاحتفال بالسيطرة على الغوطة الشرقية واستثمارها في إضعاف إرادة باقي المناطق بالصمود، وكذلك قطعت الطريق على محاولات تعويمه دولياً على الرغم من مكاسبه الميدانية، وأعادت حسابات بعض الدول التي بدأت تتقبل بقاءه في السلطة كأمر واقع وتسعى لإعادته إلى الجامعة العربية.


المصدر : نداء سوريا