الأربعاء 2018/06/20

الشرق الأوسط.. كل الطرق تؤدي إلى “صفقة القرن”

لم تعُد "صفقة القرن" مجرد عنوان إخباري يرد في نشرات الأخبار والتقارير الصحفية، ولم يعد الحديث عنها يعتمد على تسريبات من هنا أو هناك، بل إن ملف "التسوية" في فلسطين بات على رأس أولويات الشرق الأوسط لدى إدارة ترامب، التي تعتبر كل القضايا التي لا تمس إسرائيل في المنطقة على هوامش اهتماماتها، والتي باتت تتعامل مع جميع المعطيات على أساس عنوانين عريضين.. المال ..وإسرائيل. تل أبيب بدورها تحث الخطا وتسابق الزمن لإتمام الصفقة التي انتظرتها منذ قيامها عام 1948، فالرياح مواتية، وليس ثمة ظرف تاريخي مناسب لتحقيق ذلك كالظرف الذي يمر به الشرق الأوسط المُنهك.

ربما يصح القول إن معظم ما يجري في البلدان العربية والإسلامية يتعلق بشكل أو بآخر بصفقة القرن، فالخيوط مترابطة وإن بدت أحياناً مختلفة الاتجاهات. وقد تكون الاحتجاجات العارمة التي شهدها الأردن قبل أيام وانتهت، مشهداً من مشاهد المخاض الأخير لولادة الصفقة المشبوهة، إذ ربط مراقبون كثر بين موقف الأردن من "صفقة القرن" والأزمة المالية التي أجبرت مواطنيه على الخروج إلى الشارع، عقب انحسار المساعدات السعودية والإماراتية والأميركية.

في العاشر من حزيران الجاري دعت السعودية والإمارات والكويت عاهل الأردن إلى مكة، لعقد "قمة الدعم" التي يُفترض أنها ستخرِج الأردن من محنته تماماً، فيما قرئ أنه "الرشوة الأخيرة" التي تُقدَّم لعمّان للتوقيع على تمرير الصفقة، فلم يعد أحد في وجه الصفقة فعلياً سوى الأردن، فالجارة الشمالية سوريا لم يعد أمرها بيدها، وباتت القضية الفلسطينية بالنسبة إليها شعاراً من شعارات الماضي، وحالة لبنان لا تختلف كثيراً عن سوريا، فبيروت تريد سلّتها "دون عنب"، وشعارات المقاومة لدى "حزب الله" صارت سمفونية ممجوجة ومكشوفة، بعد أن زج بكل طاقاته في الحرب على السوريين.

مصر هي الطرف الأكثر قابلية للمساومة، كيف لا وقد "باع" السيسي جزءاً من الأراضي المصرية مقابل تدفق "الرز"؟.

والسعودية الجديدة التي يرسم معالمها "بن سلمان" قبضت الثمن مسبقاً؛ فولي العهد وصل عملياً إلى حكم البلاد، ونال رضا ترامب تماماً، وها هو يحسم معركته في اليمن متجاوزاً الخطوط الحمر التي رسمت له سابقاً. أما إيران فهي منشغلة بمصير الاتفاق النووي بعد انسحاب الولايات المتحدة، لأن ذلك سيرسم حاضرها ومستقبلها، ويجب ألا ننسى أن المتظاهرين الذي احتلوا شوارع المدن الإيرانية مطلع العام الجاري ذكروا فلسطين بالحرف، واستنكروا أن بلادهم تقدم الدعم هناك في الوقت الذي تعاني فيه وضعاً اقتصادياً حرجاً. السلطة الفلسطينية عاجزة ومكبلة تماماً ولا تقوى إلا على مستوى التنديد والشجب.

كما أسلفنا.. جميع الطرق ممهدة، لم يبقَ إلا أن تأخذ "صفقة القرن" موافقة أخيرة من الأردن، الذي يُعَد امتداداً ديمغرافياً لفلسطين، والمسؤول عن المقدّسات فيها.

الاحتجاجات في الأردن توقفت بعد سحب قانون الضريبة.. نتنياهو التقى بشكل مفاجئ العاهل الأردني الإثنين في عمان، برفقة رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلية "الموساد" يوسي كوهين. وبعد اللقاء قال مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي في تصريح مكتوب "..وأكد رئيس الوزراء نتنياهو مرة أخرى على التزام إسرائيل بالحفاظ على إجراءات الوضع القائم في الأماكن المقدسة في القدس″.

لم يذكر مكتب نتنياهو القدس.. بل ذكر "المقدّسات فيها"! هل تم التوافق مع العاهل الأردني على أن تبقى إدارة المقدسات بيده كنوع من الترضية، في الوقت الذي انتهى فيه الحديث عن القدس عاصمةً للدولتين؟

في اليوم التالي "الثلاثاء" التقى العاهل الأردني كذلك صهر ترامب ومهندس "صفقة القرن" جاريد كوشنر، إضافة إلى المبعوث الأميركي الخاص للاتفاقيات الدولية جيسون غرينبلات ( وهما يهوديان يشتهران بمناصرة الاستيطان ودعم اليمين الإسرائيلي ) في زيارة إلى المنطقة تشمل إسرائيل والسعودية وقطر ومصر إضافة إلى الأردن. وأعلن البيت الأبيض أن الهدف من الجولة هو "بحث الأوضاع في قطاع غزة والجهد الأمريكي لإعادة إطلاق المفاوضات الفلسطينية-الإسرائيلية". وقال غرينبلات في تغريدة على حسابه في "تويتر" : "سعيد برؤية الملك عبد الله الثاني ورئيس الوزراء نتنياهو يستأنفان اجتماعاتهما حول القضايا الرئيسية، أمر مهم جدا لكلا البلدين وللمنطقة بأسرها".

"صفقة القرن" تقتضي ضم القدس كلها لإسرائيل، وإسقاط حق العودة للاجئين الفلسطينيين، وضم المستوطنات بالضفة إلى الاحتلال، والسماح بحكم ذاتي للفلسطينيين على الأجزاء المتبقية من الضفة، والسماح بكيان فلسطيني على غزة وأجزاء من شمال سيناء المصرية.

وفي هذا المجال يتوقع كذلك أن تتم "ترضية" قطاع غزة بمشاريع ودعم مالي، فقد نشرت صحيفة هآرتس نقلا عن مصادر إسرائيلية -لم تسمّها- قولها إن وفداً أميركياً يسعى إلى إقناع دول عربية باستثمار مئات ملايين الدولارات في تنفيذ مشاريع تهدف إلى مساعدة قطاع غزة، ستقام في منطقة شمال سيناء المصرية، ويُفترض أن هذه الفكرة تطرح في اجتماعات "كوشنر وغرينبلات" خلال جولتهم بالمنطقة.

كل الوقائع تشير إلى سعي "أميركي إسرائيلي" لاقتناص فرصة تاريخية لا تعوض وإعلان "صفقة القرن" التي تحوّل إسرائيل من كيانٍ يغتصب أرضاً إلى دولة شرعيةٍ تجاور دولة فلسطينية منزوعة الحقوق والأرض، يتبع ذلك عمليات تطبيع واسعة بدأت بالفعل لدى بعض الدول العربية.

هل تم الاتفاق مع الأردن حول تمرير الصفقة؟ لن ننتظر طويلاً لنسمع الجواب.