السبت 2017/08/19

الحياة لأهالي دير الزور.. لمن استطاع إليها سبيلا !

بعيدا عن تغطية عدسات الإعلام العربي أو الغربي، ثمة موت يفتك بمدنيي محافظة دير الزور عبر طرق متعددة.

والواقع أن اتفاق "تخفيف التصعيد" قلب الوضع في دير الزور رأساً على عقب، فبعد أن كانت المحافظة خارج حساباتِ النظام أصبحت اليوم أحد أبرز أولوياته للوصول إليها وفك الحصار الذي يفرضه التنظيم منذ أكثر من عامين على المطار العسكري والأحياء التي لا تزال تقع تحت سيطرة قوات الأسد، فلجأ النظام إلى اتباع سياسة الأرض المحروقة التي ينتهجها ضد المواقع التي ينوي السيطرة عليها كما فعل بحمص وحلب وغيرها، فنشرت مقاتلاته مع المقاتلات الروسية التي تساند قواته على الأرض المجازرَ والدمار في قرى ومدن عدة بالريف الشرقي والغربي والشمالي إلى جانب التحالف الدولي الذي لُوحظَ عليه هو الآخر تكثيف الضربات الجوية ضد التنظيم بدير الزور، ولا سيما في البوكمال والميادين، ما تسبب  بوقوع المئات من المدنيين بين قتيل وجريح، وسط نقص متزايد في المواد الطبية.

وما عمّقَ المأساة على أهالي دير الزور لجوء النظام إلى أسلوب التجويع والحصار، فأغلق المنافذ الإنسانية على المحافظة رغم الكثافة السكانية فيها، ولم تعد تدخل الشاحنات الغذائية إلا بعد أن تدفع أتاوات ضخمة أو أن تحاول الشاحنات الدخول عبر اتباع طرق طويلة للوصول إلى دير الزور، ما دفع كثيراً من التجار إلى الإحجام عن الدفع بالبضائع نحو دير الزور، وحتى في حال دخلت شاحنات فإن أسعار البضائع داخلها مرتفعة جداً لا يملك الأهالي ثمناً لها في الوقت الذي تشهد فيه المحافظة بطالة وفقراً مدقعاً بسبب انعدام فرص العمل.

وبسبب تراجع تنظيم الدولة وفقدانه العشرات من عناصره خلال المعارك المفتوحة والمتعددة الجبهات مع مليشيا "قسد" بمدينة الرقة، ومع النظام بدير الزور وحمص وحماة وشرق وجنوب الرقة لجأ إلى فرض التجنيد الإجباري على الشبان في محافظة دير الزور، وشن حملة اعتقالات كبيرة بهدف زجهم في تلك الجبهات المفتوحة التي لا تعدو عن كونها محرقة لهؤلاء الشبان.

فصول المعاناة تلك دفعت بأهالي دير الزور إلى الهرب خارجاً نحو مناطق سيطرة المليشيات الكردية الانفصالية بالرقة والحسكة، وعلى الرغم مما يعتري عملية محاولة الهرب من تكلفة مالية باهظة ومخاطر شتى؛ ليس أن يمسك بك التنظيم أولها أو أن يخذلك "المُهّرب" آخرَها فتتيه بالصحراء ، فإن من يصل إلى مناطق المليشيات الكردية يُزج في المخيمات الصحراوية التي وصفها كلُ من وصل إليها بـ "معسكرات اعتقال"، لا يُسمح بالخروج منها إلى مناطق الجيش الحر شمال حلب إلا بعد تحقيقات مطوّلة قد تُفضي إلى الاعتقال بالسجون بتهم وحجج واهية، كما لا يسمح بالخروج  "بتاتاً" من مخيمات الاعتقال تلكَ نحو مناطق ما يسمى "الإدارة الذاتية" إلا بوجود كفيل حتى وإن مكث هذا النازح في تلك المخيمات  أكثرَ من عام، ويعيش مئات المدنيين بأطفالهم ونسائهم بتلك الخيم البالية وضعاً مزرياً تحت حر الشمس أدى إلى وفاة العشرات.

ومن وصل بعد رحلة شاقة إلى مناطق الجيش الحر في ريف حلب الشمالي لم يسلم أيضاً من المضايقات، والتي كان آخرها يوم أمس في جرابلس إذ طالبت ثلة بطرد أهالي دير الزور، كما إن الكثير من أبناء الدير لم يتلق الدعم اللازم من المنظمات الإنسانية ربما سوى خيمة لا تقي حر صيف ولا برد شتاء.

الوضع في محافظة إدلب قد يكون أفضل مما هو عليه في حلب بالنسبة للنازحين من دير الزور، لكن مع ذلك فإن هناك من لا يتقبل وجود أبناء دير الزور في المنطقة، فضلاً عن انعدام فرص العمل لدى الكثيرين والغلاء في المعيشة والسكن.

إذاً هو انغلاقٌ تام لكافة وسائل الحياة على مئات آلاف المدنيين من أهالي دير الزور، فمن بقي في داره مهدد بالموت في أي لحظة بنيران جوية متعددة الأطراف، أو أن يزجه تنظيم الدولة في إحدى الجبهات فيُقتل، ومن خرج لاحقه شبح الموت على طريق النزوح.. ومن وصل لم يجد أيَّ سبيلٍ إلى حياة كريمة كان يعيشها في منزله.