الأحد 2017/07/16

الحشد الشيعي و”ب ي د” ..اختلاف المنهج وتشابه الإجرام !

في هذا الفضاء المتَّسع من المعلومات والتسجيلات المصورة على شاشات الفضائيات ووسائل التواصل الاجتماعي، نكتشف يوماً بعد يوم أن العناوين التي تُشن من أجلها الحروب وتُدمَّر المدن ويُقتل الآلاف تحت اسم "تحرير"، لم تكن بأي حال من الأحوال سوى حلْقات متتابعة في المسلسل الذي جرى تحضيره وإخراجه للمنطقة عموماً، في وقت تَدفع فيه "الأكثرية السكانية" في سوريا والعراق الثمن باهظاً في هذه المعركة.

إذا ما انطلق الحديث من العراق تتجه الأنظار حكماً إلى المدن والحواضر السنّية الكبرى، التي رفعت عام 2011 مطالب تتعلق بالإصلاحات الإدارية والسياسية على غرار ما حصل في تونس ومصر وليبيا وسواها، وعلى حين غرة وخلال أيام وأسابيع قلائل وجدنا هذه المدن تتداعى واحدة تلو الأخرى ويسيطر عليها "تنظيم الدولة" بعدد قليل من مقاتليه لا بد أن يثير الريبة في نفوس أكثر المتابعين بساطةً في التفكير، وقام التنظيم بطريقة أيضاً تضع آلاف علامات الاستفهام، بعمليات قتل استهدفت المكون الشيعي وأقليات في العراق، ما قوبل باستنكار من قبل الغالبية العظمى من أهل السنة في العراق وخارجه.

وفي ردة فعل لم تقلَّ غرابة وسرعة عن ظهور التنظيم وسيطرته على المدن، أصدر المرجع الشيعي "علي السيستاني" فتواه الشهيرة بتشكيل ما بات يعرف بـ "الحشد الشعبي" الذي أسس بأموال إيرانية وفكر طائفي يعد امتداداً لـ"فرق الموت" التي قتلت ومثّلت بآلاف العراقيين عام 2006.

 

استجاب الآلاف لهذا الحشد سريعاً تحت عنوانين كبيرين : الثأر والمال ، وبات هذان المحفِّزان يشكّلان الدافع الأكبر لدى الطائفة الشيعية للمضي قدماً في "المعركة الوجودية" ليس ضد "تنظيم الدولة" إنما ضد المكوِّن السني الذي سرعان ما ألبس تهمة "الدعشنة" وبات يُعامل على هذا الأساس، تشكل الحشد تحت ذريعة "حماية المقامات الدينية" في نجف وكربلاء وبغداد، رغم أن تلك المدن ذات الغالبية الشيعية لم يقترب منها خطر التنظيم إلا من باب الملغّمات والعمليات التفجيرية التي ظهرت كوقود يزيد حجم "الحقد الطائفي" ويلهب نيران الانتقام.

ومع انطلاق معارك الرمادي والفلوجة والموصل بدأت آثار "الحقد الطائفي" تظهر على الملأ، وتحت ذريعة محاربة "تنظيم الدولة" ذاق سكان تلك المدن من أهل السنة أنواع القتل والتعذيب والتدمير الممنهج، وما دام "الثأر" حاضراً في المعركة، فلا خط أحمر أمام مقاتلي "الحشد" الذين باتوا يتباهون أمام كاميرات أجنبية وعربية بقطع الرؤوس وغليها في القدور، ولا حرج من شواء البشر وهم أحياء، وإخراج أحشائهم ومضغها أمام عدسات التصوير!

المقاطع والتسجيلات المصورة المقزِّزة التي تظهر يومياً لم يعد فيها أي خط أحمر، حتى وصلت في آخر مشاهدها حدَّ إلقاء البشر وهم أحياء من مكان شاهق، ثم إعدامهم بالرصاص بعد تهشم أجسادهم عقب الارتطام بالأرض، يحصل كل ذلك أمام صمت مُطبق من قِبَل التحالف الدولي الذي يدعم عملياتٍ يطلق عليها وصف "تحرير" بينما تطلق عليها المنظمات الحقوقية المحلية والدولية وصف "عمليات تطهير عرقي وجرائم ضد الإنسانية" تتجاوز في حقيقة الأمر دعاية قتال "تنظيم الدولة" إلى قتلٍ على الهوية لا يستثني الأطفال والعجائز.

 

أما في سوريا فتختلف أداة الإجرام مع تشابه حجم الحقد على المكوِّن العربي السني، وهنا تظهر مليشيات "ب ي د" المعادل الموضوعي في سوريا لفصائل الحشد الشيعي في العراق، رغم اختلاف المنهج لدى الفريقين.

فالمليشيات الكردية الانفصالية التي جنَّدتها أميركا أيضاً لقتال تنظيم الدولة، تجاوزت هذه الغاية إلى ارتكاب عمليات تطهير عرقي في المناطق العربية التي احتلتها تحت عنوان "التحرير".

هذه المليشيات التي لا ينظُمُها سلك ديني أو طائفي، تنتمي في أساسها إلى تيار قومي يساري كردي، يطالب بتحقيق حُلم الدولة الكردية الكبرى بأيِّ طريقة كانت تحت شعار "الغاية تبرر الوسيلة"، وفي سبيل هذه الغاية لا تجد مليشيات "حزب الاتحاد الديمقراطي" ضيراً في التحالف مع روسيا أو الولايات المتحدة أو حتى نظام الأسد، في سبيل تحقيق هذا الهدف.

وضمن هذه المعركة قامت مليشيات "ب ي د" بالترويج كذلك لمظلمتها على يد تنظيم الدولة، والتي يعتبرونها في الحقيقة مظلمة أوسع من التنظيم، تقتات على حقد عرقي على المكون العربي كاملاً، وهنا انطلقت جحافل "ب ي د" تدمر القرى العربية وتهجر أهلها، وتجند شبابها وترميهم على جبهات القتال، وتقوم بعمليات قتل على الهُوية، لعل آخرها وأكثرها بشاعة قتلُ مدني في ريف الرقة، أمام الكاميرات بمنتهى الحقد والبربرية، بذريعة انتمائه لتنظيم الدولة، وأيضاً أمام صمت مطبق من قبل التحالف الدولي الذي يدعم تلك المليشيات ويعتبرها "الحليف الأفضل".

وأمام الحقائق التي عرضتها السطور السابقة لا يسعنا إلا أن نقول إن الذرائع التي تقوم عن طريقها مليشيات الحشد الشيعي و"ب ي د" ليست سوى مبرر لارتكاب المزيد من الجرائم الطائفية والعرقية رغم اختلاف المنهج لدى الفريقين، ورغم أن كليهما مدعوم من دول التحالف الدولي التي تتغاضى بشكل مخيف عن تلك الجرائم، ما دامت الغاية هي "محاربة الإرهاب" التي قتلت من البشر أضعاف أضعاف ما قتله الإرهاب نفسه.