الخميس 2018/11/01

إيران تتمدد بسوريا بعد اتفاق على تحجيمها

لا يبدو أن إيران قد تأثرت حتى الآن بأي عمليات عسكرية شنها الاحتلال الإسرائيلي ضد وجودها بسوريا أو بالتهديدات الأمريكية المتواصلة التي يُطلقها ترامب والبنتاغون والخارجية بين الفينة والأخرى، التي يؤكدون فيها أن وجود القوات الأمريكية في سوريا هو لمواجهة  النفوذ الإيراني وتنظيم الدولة، إذ إن ما يجري على الأرض بسوريا يُثبت أن طهران وسعتْ رقعة سيطرتها عسكرياً وهيمنتها ثقافياً ودينياً.

يتمثل ما ذكرناه بالقاعدة العسكرية الجديدة التي تعمل إيران على إنشائها في منطقة جغرافية معقدة بريف درعا الشرقي وهي "اللجاة"، حيث تم تجريفُ عدة قرى لإنشاء تلك القاعدة، وتأتي هذه الخطوة في أعقاب شهور مما تسمى اتفاقات "التسوية" التي أجراها الاحتلال الروسي وباركتها بشكل غير معلن الأردن والاحتلال الإسرائيلي والولايات المتحدة الأمريكية في خطوةٍ قيلَ إنه تم التوافق عليها لطرد إيران من الجنوب السوري على المدى القريب ومن كل سوريا على المدى البعيد.

بالإضافة إلى ذلك فإنَّ إيران لم توقف المد الشيعي في سوريا، إذ زادت من عدد الحوزات ونشرت مُعمّميها بمناطق واسعة في دير الزور ودمشق وحلب ومناطق أخرى، كما إنها عقدت اتفاقات مع جامعات النظام لرفد طلاب سوريين إلى إيران لإكمال دراستهم في الجامعات الإيرانية كي يعودوا إلى بلادهم حاملين الفكر والمذهب الشيعي، يتزامن هذا مع اتفاقاتٍ تجارية ضخمة بين النظام وإيران؛ تخول طهران بتزويد مناطق النظام بالكهرباء في مقابل حصولها على مئات ملايين الدولارات.

إذن تمكنت إيران من انتهاز الفرصة واغتنام اتفاق الجنوب لمصلحتها وليس كما كان مخططاً، وبالتوازي مع مساعيها للهيمنة على المنطقة كان نظام الأسد يزج بمقاتلين سابقين ومدنيين ممن وقّعوا اتفاقات "تسوية" في سجونه، وهذه الخطوة إن دلت على شيء إنما تدل على رغبته بالانتقام ممن شارك سابقاً بالثورة والقتال ضده وضد المليشيات الإيرانية، ويجري ذلك تحت أنظار القوات الروسية التي لا تكترث كثيراً لمصير هؤلاء المصالحين، وما يهمها هو بقاء قوات النظام ومليشيات إيران تحت إمرتها تحركهم في أي وقت شاءت وفي اتجاه أرادت؛ في حال حدوث أي طارئ على اتفاقاتها مع تركيا بالشمال السوري، وذلك في مقابل غض الطرف عن توسع إيران بالمنطقة، وإلا فكيف خططت إيران لإنشاء قاعدة بمنطقة اللجاة إن لم يكن هناك موافقة من روسيا عليها ؟.

يشير الكثير من المحللين إلى أن انتقاء إيران منطقة اللجاة لإنشاء القاعدة يأتي في محاولة منها لتفادي ما يمكن تفاديه من آثار الضربات الإسرائيلية، حيث تتمتع اللجاة بطبيعة جغرافية معقدة، وكانت كلفتِ الجيش الحر الكثير من العناصر أثناء تحريرها من قوات النظام.

مستقبل الوجود الإيراني في سوريا لا يمكن أن يكون ضئيلاً وفق المعطيات الحالية، إذ يبدو أن حلفاءها وخصومها سيتركونها ويتركون مليشياتها تعيث فساداً وإفساداً مثل ما تركوها بالعراق ولبنان واليمن، وهذه ورقة بإمكانهم اللعب عليها في ميادين عديدة تخوّل الخصوم (أمريكا) بالبقاء الدائم والحصول على أموال من أعداء إيران المفترضين (السعودية)، وتخوّل الحلفاء (روسيا) المفاوضة على ورقة الوجود الإيراني وتحريك المليشيات الإيرانية عند اللزوم.