الثلاثاء 2018/05/29

إسرائيل تهتف: نعم نعم إلى الأبد يا آل الأسد

"نعم نعم إلى الأبد يا حافظ الأسد"..

ربما صدى هذه العبارة يعيد إلى السوريين حقبة زمنية غاشمة مدلهمة عاشوها إبان حكم الأسد الأب حينما كان تردادها ورسمها على الجدران فرض عين لا كفاية على السوريين في جميع المؤتمرات؛ صغيرها وكبيرها بل وحتى في الجامعات والمدارس والمباني الحكومية والاحتفالات الرسمية..

كثيراً ما ترددت هذه العبارة التي سعى نظام البعث العبثي إلى زرعها في قلوب الأطفال كي تظل مطبوعة في ذهنهم ويصعب اقتلاعها في كبرهم، باختصار شديد كانت هذه العبارة تسري في سوريا كما يسرى الدم في عروق الإنسان.

لكن لم يكن نظام الأسد يدرك أنه تصدَّع وشاخ كثيراً ولم يعد بالنسبة للسوريين الرهابُ الذي عاشوه وحواجزُ الخوف وأساليبُ القمع التي صنعها والإذلال الذي ظن أنه سيتكرس في الأجيال القادمة لم يعد ذلك يعني شيئاً بعد أن باتت القلوب تغلي وتنتظر الفرصة لتنفجر بوجه جمهورية الخوف ، فكان الأطفالُ الذين زرع فيهم البعث فكرة "القائد الواحد" الذي ليس له ندٌ لا يقارَنُ بالبشر ولا العظماء التاريخيين هم الشرارة التي أشعلتْ جذوة أطفأ حريقها سريعاً صوراً وعبارات ظلت مخطوطة على جدران المدارس عقوداً كانت تتجدد مع بداية كل عام دراسي ويبدع البعثيون في صوغها ـ من "نعم من القلب" إلى "بالروح بالدم نفديك يا بشار" إلى تمجيد بطل المقاومة ضد إسرائيل.. تابع العالم كيف استطاع السوريون هدم ما بناه آل الأسد في عقود خلال أيام قصيرة خلّدتْ واحدة من أشجع الثورات في الماضي والحاضر رغم ظروف الواقع وتحديات المستقبل.

داس أطفال الثورة ببراءة على عبارة "نعم نعم" وخطت أقلامهم عبارات بعثت حلاوةً لمستقبل يمحو ماضياً مراً كالعلقم ويأتي بإشراقة لظلمةِ ليل فاحم دامس ويبدأ يزيح صخرة تشبه تلك الصخرة التي حبست الفتية الثلاثة في الغار، لكن غاب عن أطفال سوريا أن من أبدع هذه العبارة وأطلق لها العنان في الميادين السورية لم يكن زبانية الأسد من تلقاء أنفسهم، كانت هناك منظومات خارجية رسمت لسوريا أن تعيش هذه الحالة المُقيدة لتكرس عبارةً تجسدُ صورة "القائد الواحد الخالد" وما يترتب على من يفكر بنقيضها من رعبٍ وضغط نفسي وهلوسة السجون والاعتقال.

حينما أوشك السوريون على إسقاط الأسد وقف العالم حائراً يتساءل ..

كيف استطاع ثلة من هؤلاء بالبنادق والرشاشات أن يصلوا إلى ما وصلوا إليه ؟،كيف سيكون الحال لو تخلصوا من الأسد وحكموا أنفسهم بأنفسهم؟ !، ففكرت الطغمة الدولية المتحكمة بالدول العربية ملياً أنْ لا سبيل إلى العبث بثورة السوريين وتخريبها إلا بفتح الباب على مصراعيه أمام الدولة الساعية إلى إعادة إمبراطورية فارسيةٍ كُسرتْ وكُتبْ عليها أنْها ستظل مكسورة، فقَدمتْ إلى سوريا ومُرِّغ أنف مليشياتها بالتراب في الجبهات السورية، وهنا وبعد الفشل الإيراني الذريع جاء الروس ليكونوا ممهدين جواً لتقدم مليشيات إيران براً فتوغلت وانتشرت في الأراضي السورية المستباحة...

هذه هي حقيقة سماح المجتمع الدولي بالتمدد البري الإيراني في سوريا لكل من يقول كيف سُمحَ لإيران أن تتوسع أمام مرأى ألد أعدائها المفترضين، لقد استُخدمت إيران لغاية قمع الثورة السورية وقبلت إسرائيل بتمددها بشكل مؤقت في سبيل إنهاء الخطر الأكبر وهو نجاح الثورة السورية الذي يعني لو تم عدم قبول الثوار السوريين ببقاء الجولان محتلاً إلى الأبد.

"نعم نعم إلى الأبد يا آل الأسد".. تُرددُها اليوم إسرائيل بصورةٍ أخرى حينما تقول إن من يجب أن يسيطر على الأراضي المتاخمة للجولان والأردن قوات نظام بشار الأسد ويماثلها في ذلك من دعوا الأسد إلى الرحيل مراراً ومن قالوا إنه فقد شرعيته ومن قالوا إن حكم عائلة الأسد أوشك على نهايته ومن قالوا إن أيام الأسد معدودات ومن توعدوا وهددوا وأرغوا وأزبدوا..

جميع هؤلاء يدعون اليوم إلى سيطرة الأسد على الجنوب السوري ويدعون بلسان واحد لطرد مليشيات إيران من سوريا بعد أن أنجرت المهمة الأصعب وباتت اليوم مهمة إسرائيل ومن خلفها الداعمين الأوربيين والأمريكيين والروس إعادة إنتاج نظام المقاومة وتلميعه مرة أخرى كي يتناسب مع عبارات التخليد والتمجيد التي أوجدها الصهاينة لنظامه..

اليوم يكشف ما يجري في الجنوب السوري أن الموقف الإسرائيلي من الأسد كان ولا يزال يدعو إلى التمسك به والحفاظ عليه إلى الأبد كي تبقى إسرائيل إلى الأبد.