الأحد 2017/07/23

إدلب .. لا نريد موصل ثانية

من منا لا ينكر خذلان المجتمع الدولي للثورة السورية المباركة، وحقها المشروع في العيش بحرية وكرامة بعيداً عن نظام آل الأسد وزمرته الفاسدة بالوراثة على مدى أكثر من أربعين عاماً.

من منا لم يشعر بالحُرقة وذبحة في التفكير، وتلبُّك في المواقف، إزاء ما جرى مؤخراً في الشمال السوري من الاقتتال بين حركة أحرار الشام وهيئة تحرير الشام، والتي انتهت بتمكن الأخيرة من السيطرة على عدّة مدن في إدلب، حيث توصل الطرفان بعد ثلاثة أيام من المعارك لاتفاق يقضي بتسليم معبر باب الهوى إلى إدارة مدنية، وهنا تكمن المعضلة في مسار التطورات المتسارعة التي تشهدها الثورة السورية.

دعونا نوضح أهمية معبر باب الهوى أمنياً واقتصادياً واجتماعياً ودولياً.. فالمعبر يربط الأراضي السورية والتركية عند محافظة إدلب من الجانب السوري وإقليم هاتاي من الجانب التركي، ويعد نافذة ضخمة تربط السوريين القاطنين في المناطق المحررة من أرياف اللاذقية وحماة وحلب ومحافظة إدلب بالأراضي التركية، ومنها إلى كافة أنحاء العالم.

أمام هذه المعطيات فنحن بصدد تحليل يرسم الأبعاد المتوقعة التي تفسر خطورة اقتراب "تحرير الشام" من المعبر وسيطرتها على نقاط جديدة قريبة منه ، تبعاً لمنظور التفكير الغربي في التعاطي مع ما يحصل في سوريا، وخاصة ما حدث من اقتتال مؤخراً، لنستحضر بيان الخارجية الأمريكية، في 11 آذار 2017، بقولها إن كل من يندمج ضمن "هيئة تحرير الشام" يصبح جزءاً من تنظيم "القاعدة" في سوريا، وأكدت أيضاً أنها ستحاربها كما تحارب تنظيم الدولة، وأن تصنيف الهيئة "كمنظمة إرهابية ساري المفعول"، لأن المكون الأساسي لها هو "جبهة النصرة" بغض النظر عن التسمية، وأن صاحب "السلطة الحقيقية" في "تحرير الشام" هو "أبو محمد الجولاني"، وهو يسعى إلى "خطف الثورة"، وأن الآخرين ممن تولوا "المناصب التجميلية" مثل "أبو جابر" هم مجرد "كومبارس".. ما لفتني حينها هذه العبارة للخارجية الأمريكية بأن "الهيئة لن تستطيع فرض أمر واقع على الأرض يجبر الولايات المتحدة على التعامل معها، وأن تشكيل مكتب سياسي أو مشروع تواصل دولي لن يغير القرار في "إفنائها".

إذاً النظرية الغربية حول "هيئة تحرير الشام" واضحة لا لبس فيها، وأن ما يدور من مخاوف لدى أهالي الشمال السوري من تحول إدلب إلى موصل ثانية، أو حتى حلب ثانية، هو واقع لا مفر منه، ولا سيما أن المجتمع الدولي له حساباته الخاصة من القوى التي يصنفها "متطرِّفة"، فمن المعلوم أن الشمال السوري بات شبه مهدد بقطع وإلغاء الاتفاقيات الموقعة بين الاتحاد الأوربي والحكومة السورية المؤقتة ومؤسسات ومنظمات المجتمع المدني العاملة في الشمال السوري، والتوقف عن إرسال المساعدات، والمنح التنموية بقيمة ملايين الدولارات، تماماً كما حدث في المناطق الخاضعة لسيطرة تنظيم الدولة.

وعليه فإن المشروع الحقيقي القادر على حماية الشمال وتجنيبه الويلات وإبعاد شبح الإبادة عن سكانه، هم أبناء مناطق الشمال، عبر إعلانهم الموحَّد عن رفضهم ارتهان المنطقة لطرف واحد، والعمل على إنشاء مؤسسات محلية مدنية تؤكد للمجتمع الدولي أن أهل تلك المناطق قادرون على إدارتها والحفاظ على مكتسبات الثورة فيها.