السبت 2018/09/15

إدلب تدخل العلاقات التركية الروسية مرحلة الاختبار الأصعب

لقاءات تتلو لقاءات عقدها مسؤولون روس وأتراك بشأن إدلب شملت الرئيسين بوتين وأردوغان ومسؤولين في الخارجية والدفاع، ولم يتم التوصل حتى الآن إلى صيغة نهائية بشأن الحل النهائي يتم التوافق عليها من كلا الطرفين، بسبب تباين رؤية أحدهما عن الآخر، فالروس يريدون مواصلة العمل العسكري بحجة وجود هيئة تحرير الشام، والأتراك لا يريدون إطلاق أي عملية عسكرية، ويساندهم في ذلك الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية بسبب وجود مخاطر إنسانية كبيرة.

حاولت روسيا إغراء تركيا بموضوع صفقة "400 S"، وأعلنت أنها ستباشر في تزويدها بمنظومة الدفاع الجوي وفقا للعقد المبرم بين البلدين في الموعد المحدد من العام المقبل، وقالت إن أنقرة لن تتراجع عنها رغم ضغوط واشنطن، في محاولة من موسكو للإيحاء لأنقرة بأنها تقف معها ضد التهديدات الأمريكية، غير أن هذا الملف لم يشكل أي تغير في موقف تركيا الرافض لإطلاق معركة في إدلب ستكون تداعياتها أخطر من أي معركة أخرى شهدتها سوريا.

لم تخف روسيا أنها صبرت كثيرا على ملف إدلب أكثر من صبرها على منطقة أخرى قررت تصفيتها رغم إدراجها باتفاقية خفض التصعيد، كالغوطة الشرقية وجنوب سوريا وريف حمص الشمالي، وتلك مناطق لا تشكل لتركيا تهديدا كما تشكله إدلب والشمال السوري، لذلك فإن موسكو تورعت نوعا ما بإطلاق العمل الكبير، وأكد لافروف بعد جولة من التصعيد "لاختبار المواقف" أن النظام لم يهاجم إدلب أو ينوي مهاجمتها حاليا، إنما يجري حسب زعمه قصف أهداف مسلحة ومواقع عسكرية. وهذا ما قوبل من قبل برفض تركيا خاصة أن الضربات وقعت ضد أهداف مدينة وأحياء سكنية.

تخشى روسيا من خسارة حليفها التركي مرة أخرى والعودة إلى وضع عام 2015 بعد إسقاط تركيا للمقاتلة الروسية قرب الحدود السورية، وتدرك أن التصعيد لن يكون من صالحها خاصة أن تركيا يبدو أنها قررت عدم التراجع خطوة واحدة إلى الوراء ومواصلة دعم الجيش الحر بشتى أنواع الأسلحة، حتى باتت هناك تهديدات من قبل كثير من القادة العسكريين في الفصائل باقتحام مدينة حماة ومدينة حلب إن غامر الروس والإيرانيون بأي عمل عسكري في الشمال، وبلا شك فإن تلك التهديدات تعود إلى ثقة بالنفس ووجود أرضية يعتمد عليها سواء من الحاضنة الشعبية أو الدعم التركي او القوة العسكرية.

من جانب آخر فإن تأني موسكو بالمعركة يعود كذلك إلى خوفها من نقض أنقرة لاتفاقية اللاجئين مع أوروبا، والتي أسهمت بشكل كبير في وضع حد لموجة اللجوء إلى أوروبا، وقد هددت تركيا عدة مرات بأنها لن تتحمل وحدها كلفة المعركة وستفتح باب اللجوء إلى أوروبا إن واجهت موجة لجوء كبيرة، وهذا ما أعاد روسيا خطوة أخرى إلى الوراء ودفعها للتفكير بحذر من خطورة المعركة التي ستؤدي بطبيعة الحال إلى غضب أوروبا منها والإعلان رسميا بفشل خطة موسكو لإعادة اللاجئين والتي كانت تعتمد في الأساس على دعم غربي.

من تداعيات خراب العلاقات التركية الروسية كذلك تقارب أنقرة بشكل كبير مع أوروبا والناتو، إضافة للولايات المتحدة رغم الخلافات الأخيرة بين الجانبين بشأن القس والتي لا تعدو عن كونها محاولة من ترامب لكسب صوت الإنجيليين في الانتخابات القادمة بالكونغرس، ولا يخفى أن أوروبا والناتو وواشنطن غازلوا تركيا كثيرا بالآونة الأخيرة وحاولوا كسبهم إلى صفها، بل ودافعوا عن رؤيتها للحل في إدلب، ليس حبا في إدلب وخوفا على أهلها إنما حماية لمصالح كل طرف يرى أنها ستهدد بإطلاق المعركة.

يمكن القول إن العلاقات التركية الروسية تمر بمرحلة الاختبار الأصعب بعد بروز ملف إدلب على الطاولة، ولا يمكن بطبيعة الحال التنبؤ بما سيقرره بوتين رغم تراكم ملفات عديدة تجعله يفكر ألف مرة قبل أن يقر رسميا بإطلاق عملية واسعة النطاق بإدلب، ويكشف اللقاء الجديد الذي ينوي بوتين وأردوغان عقده يوم الاثنين المقبل في سوتشي أن هناك صبرا غير محدود ومحاولة لكسب رضا تركيا عن أي عملية تقوم بها روسيا في الشمال المحرر بعد وجود خلافات حادة بين الطرفين في قمة طهران الأخيرة حينما رفض بوتين على العلن مقترح أردوغان وقف النار .. فماذا يمكن أن تسفر القمة الجديدة بين الجانبين وهل ستؤدي إلى تعزيز التقارب بينهما أم إلى تشكيل مقدمات لنهايته؟