الجمعة 2018/04/20

أزمة النخبة المثقفة في الثورة السورية

النُخْبة في اللغة هي مفرد جَمعُه نُخَبْ ، والنُخبة غالبا ما تكون مجموعة صغيرة تمتاز إما بالثروة أو الثقافة أو الأكاديمية أو المركز الاجتماعي أو السياسي.إلخ .

هذا التعريف العام للنخبة يقودنا إلى ما اتفق عليه في تعريف (النخبة المثقفة )  ما يهمنا في مقالنا هذا.فالنخبة المثقفة هي :

طبقة اجتماعية تشارك في عمل ذهني معقد يهدف إلى لعب دور قيادي في تشكيل ثقافة المجتمع وسياسته ، علماً أن هذه النخبة قد تقود المجتمع إلى ما يصبو إليه من نهضة وتقدم وقد تقوده أيضا إلى الانهيار والتخلف .

لاشك أن الأمة المسلمة عامة والشعوب العربية خاصة تسعى جاهدة نحو تحقيق الانعتاق من نير  قرون من التخلف ومصادرة الحريات والهدر للكرامة  نتيجة الاستعمار وما خلفه لاحقاً من مَلكيات وديكتاتوريات  تحكم باسمه.

ولاشك أيضا أن ثورات الربيع العربي عموما والثورة السورية بشكل خاص هي  من ضمن هذه الجهود اللتي لم تتردد في تقديم الغالي والنفيس فضلاً عن الدماء في سبيل تحقيق هذه الغاية ...لكن الملاحظ في هذه الثورات أنها :  رغم كل هذه التضحيات لم تستطع أن تحقق أهدافها الاستراتيجية وانحصرت نجاحاتها في اسقاط بعض هذه الديكتاتوريات الحاكمة اللتي ما لبثت أن عادت بوجوه جديدة أو بانقلاب ..... كما أنها فشلت في في إفراز القيادة اللتي تمثلها وتمتلك القدرة على شق الطريق وتوجيه الشعوب  اللتي تعيش أزمات خانقة على المستوى الاجتماعي والسياسي باتجاه يحقق أهدافها  في النهضة والتقدم.

فهل نحن كمجتمعات عربية نفتقر عموما لهذه النخبة المثقفة، أم أن هناك عوامل تمنع أو تعوق ظهورها ؟

للإجابة عن هذا السؤال تعمقت كثيرا في دراسة تاريخية وواقعية لحال النخبة المثقفة السورية في العصر الحديث لأجد  :

1-أننا كمجتمع لم نفتقر ابدا للكوادر المثقفة المؤهلة للقيادة على مر التاريخ الحديث وصولا إلى يومنا هذا .

2- أن العوامل اللتي كانت تمنع ظهور هذه النخبة قد انحسرت نتيجة للتقدم في وسائل التواصل من جهة والثورات اللتي خلقت فسحة واسعة للعمل مع وجود قاعدة شعبية مؤمنة بضرورة النهضة .

مما خلق لدي تساؤلا جديدا : أن كنا لانفتقر إلى الكوادر ..وليس مايمنع من تشكلها. ..فأين العلة إذًا ؟

وبعد طول بحث متأن حيادي خلصت إلى حقيقة بسيطة أعتقد أنها مايفسر ويجيب عن كل هذه التساؤلات بل ويتعداها إلى غيرها ...تتلخص هذه الحقيقة في أن النخبة المثقفة في مجتمعاتنا المسلمة العربية تفتقر إلى " الرؤية " الرؤية الواضحة اللتي تجتمع عليها النخبة المثقفة فتعبر عن ما يريد هذا المجتمع المسلم ، وأنه من غير الممكن أو المعقول أن نتمكن من صياغة مشروع للنهضة ولا أن ننجح في تشكيل قيادة بدون الإجماع على هذه " الرؤية " لأننا ببساطة لن نتمكن من تحديد وجهة العمل .فالرؤية (الاستراتيجية ) هي مايحدد المنهج (السياسة ).وإن النخبة المثقفة خلال هذه المدة على اختلاف الزمن والظروف إنما تتخبط بين الرؤى التي نختلف على صلاحيتها لمجتمعاتنا وبين الخطوات الإجرائية لتنفيذ هذه الرؤى فتغرق دوما في الخلط بين (الاستراتيجية و السياسة ) .

لذلك أصبح واضحا لدينا أن المثقف  أو المفكر أو القائد بدل أن يكون عونا لمجتمعه في الخروج  من تخلفه وأزماته  أصبح معمقا للشرخ فيه من خلال تبنيه أفكار وايديلوجيات لاتنسجم مع هوية مجتمعه ولا الخصوصية اللتي تميزه واللتي هي في حالتنا الإسلام والعروبة .

وعليه ...فإن النخبة المثقفة في الثورة السورية... برأي... مدعوة إلى مراجعة لكل ماتطرح من أفكار لتعيد تشكيل" رؤية " تتفق مع مبادئ مجتمعاتها المسلمة والعربية بشكل واضح تبتعد فيه عن التلفيق بين المفاهيم والنفاق للقوة بحيث تحقق هذه الرؤية شرطين أساسيين :

1- أن لا نقع في أزمة جديدة بانحرافنا عن القيم والعقيدة اللتي نؤمن ونتميز بها .

2- أن تنتشلنا أيضا من دوامة التخلف في التقليد الأعمى المبرر بالمسموح حينا والعجز أحيانا أخرى .

ختاما : أعتقد أن على النخبة الثورية السورية المثقفة أن تنشغل في صياغة هذه (الرؤية ) ثم لتنتقل بعدها إلى تشكيل القيادة اللتي تحقق هذه الرؤية فتفصل بين الاستراتيجية والسياسة .