الثلاثاء 2016/09/20

أبو محمد الجولاني .. لو خرجتَ من جلدك ما عرفتُك

قبل إعلان فك الارتباط بالقاعدة ... ثلاثة لقاءات ظهر فيها زعيم جبهة فتح الشام أبو محمد الجولاني ، غير كاشف عن وجهه لأسباب لا يحتاج التحليل الكبير إلى التأكيد على أنها أمنية.

في كل لقاء من اللقاءات الثلاثة حَرَص الجمهور السوري بمؤيديه ومعارضيه على قراءة لغة الجسد عند الرجل ، أكثر من حرصهم على قراءة تصريحاته وآرائه في مجريات الحرب السورية.

قبل أن يكشف الرجل عن وجهه نسي السوريون لب القضية، و بدؤوا يلوكون ويحللون الأسباب التي دعته "إخفاء الملامح" ، وقرأ كثيرون معالم ونقوش الكرسي الذي كان يجلس عليه ، أكثر من الأسباب التي جعلته يتمسك آنذاك "بالارتباط" بتنظيم القاعدة. ومحللون من نوع آخر جذب انتباههم الزي الشامي الذي كان يرتديه الجولاني.

والمهم بعد هذا السرد الشكلي أن جميع الفصائل السورية ، الأكثر اعتدالاً ، والأكثر تشدداً ، حمَّلت جبهة فتح الشام " النصرة في تلك المرحلة " ، كل تبعات التشرذم وتشتت المواقف ، يقاتلون مع الجبهة في الخنادق ويتنصلون من "أوزارها" في المنابر الإعلامية ، بسبب ارتباطها بتنظيم القاعدة الذي حرص نظام الأسد على اتهام الثورة السورية به منذ أيام الثورة الأولى.

شماعة القاعدة والجولاني .. هي الحل السحري الذي وجد فيه كثير من الناشطين "الثوريين" سبباً رئيسياً لعدم تحقيق نصر سياسي أو عسكري فارق.

تأخَّرت "فتح الشام" في فك ارتباطها عن القاعدة أو لم تتأخر ... هذا موضوع خلاف طويل .. دون نتيجة ، المهم أن الجولاني أعلن فك الارتباط ، وحقق رغبةَ الملايين الذين "احترقوا" لرؤية وجهه ! ، فظهر كاشف الوجه مرتدياً عمامة بيضاء، .... وسرعان ما تهافتت التحليلات التي ركزت على العمامة والبزة العسكرية ، وكالعادة .. نسيت لب الموضوع ، وتناست أن واشنطن بعد ساعتين من خطاب الجولاني أكدت مواصلتها في محاربة الجبهة وتصنيفها جماعة إرهابية.

ومما يثير الضحك أو الخيبة أو كليهما .. أن الجولاني ظهر قبل أيام في مقابلة على الجزيرة يتحدث عن الوقائع الميدانية والمستقبلية على ضوء الاتفاق الروسي الأميركي حول سوريا، و لم ينتهِ اللغط القديم إياه، إذ انتقدَ "ناشطون" ما ارتداه الجولاني في إطلالته ( يوم السبت - 17 أيلول ) ، حيث اعتبروا أنَّ لباسه الذي جمع فيه بين الحذاء الملمع والبنطال الواسع و"الطاقية" ، غير لائق ، وأنّ "فتح الشام" تخلت عن كثير من صلابتها في الفترة الأخيرة .

الجولاني لم يقدم الخلاص لنفسه سواء أسفر عن وجهه أو حجبه !! ، وسواء كان في ركب القاعدة أو تركَها ، وسواء لبس العمامة أو "الطاقية" أو خوذة عسكرية !! .

هذه الحالة تحاكي ما يحصل على الأرض تماماً ، فحجة القاعدة التي كانت عائقاً أمام توحد الفصائل ، قد سقطت ، ولم يحصل "التوحد" ، والولايات المتحدة لن تغير رأيها في "فتح الشام" وإن غيرت اسمها إلى "جبهة كفار قريش" ، وسيبقى الجولاني على قائمة الإرهاب في واشنطن ، مهما ارتدى ومهما فعل.

وهذا يذكر برواية ذكرها الجاحظ عن ضيفٍ بغداديٍّ ذهب إلى "مرو" وأراد النزول عند صديق قديم ، فأنكر المَرْوَزِيُّ ضيفَه ، فظن الضيف أن المشكلة في العمامة فخلعها ، ثم خلع جلبابه ، ثم خلع قميصه ، ولا فائدة في الموضوع ، وعندها اختصر المروزي على البغدادي المشكلة وقال له .. والله لو خرجتَ من جلدك لما عرفتك ! .