الأثنين 2017/10/09

أبناء مقاتلي تنظيم الدولة الأجانب بلا وطن.. أوروبا ترفضهم وأوضاعهم المزرية ستجعلهم أخطر من آبائهم

أطفال بشعر أشقر وملامح أوروبية يجوبون في زاوية من مخيم اللاجئين الصاخب، الواقع على بعد 40 ميلاً شمالي الرقة.

تعيش مجموعة صغيرة من النساء والأطفال بمعزل عن بقية اللاجئين في مخيم عين عيسى بشمالي سوريا.

يركض هؤلاء الأطفال من ذوي الشعر الأشقر والبني بين البطانيات التي علقتها أمهاتهم كفواصل بين الغرف الصغيرة الرطبة، بينما الآخرون في مخيم عين عيسى يطلقون عليهم لقب "الدواعش"؛ إنها عائلات مقاتلي تنظيم الدولة. التي لا أحد يريد أن يعرفها، حسب تقرير صحيفة الغارديان البريطانية.

النساء هنَّ أرامل مقاتلي التنظيم. كلهن أجانب، ومستقبلهن أكثر قتامةً من بقية اللاجئين الاثني عشر ألفاً النازحين حديثاً من سوريا والعراق في المخيم، أو الملايين من ضحايا الحرب والثورة الذين يعيشون الآن في الخيام في جميع أنحاء الشرق الأوسط.

 

كيف كُشف أمرهم؟

لقد وصل هؤلاء النساء والأطفال مع جحافل فرَّت من الرقة، من أوائل مايو/أيار 2017. كانت وجوههن مميزة عن السكان المحليين، مما كشف أمرهن للمسؤولين الأكراد الذين يديرون المخيم.

عائلات الجهاديين المهزومين الذين يعتقد أنهم ذوو قيمة استخباراتية تم اقتيادهم إلى أماكن أخرى. وتعتبر الأسر المحطمة التي تركوها أقل فائدة.

بينما يندحر تنظيم الدولة، فإن أكثر الفئات ضعفاً بين صفوفه أصبحت أكثر عرضة للخطر.

في شمالي سوريا، حيث توغلت المليشيات الكردية الانفصالية في الرقة بعمق، وفي العراق، حيث قامت قواته العسكرية، التي تكملها الميليشيات الشيعية المدعومة من النظام الحاكم، بدحر هذه الجماعة من كل مركز حضري، لم يبق لنساء أعضاء التنظيم وأطفالهم مكان للاختباء.

 

كم عددهم؟

وتسعى وكالات المعونة الدولية والحكومات إلى تقييم أعداد الأرامل والأيتام، الذين يعتقد أنهم الآن معرضون لمخاطر شديدة، سواء داخل مجتمعاتهم أو على يد مسؤولين محليين عدائيين.

وقال أحمد الرقاوي (25 عاماً) مقاتل ضد تنظيم الدولة في وسط الرقة "لا أحد يريد التعامل معهم أو حتى الاقتراب منهم. عندما كانوا هنا، كانوا يعتقدون أنهم ملوك. حتى النساء".

وفقاً لبعض التقديرات، فقد أنجبت نحو 5000 امرأة أطفالاً أجانب في السنوات الأربع الماضية، في بلدانٍ تقدم حماية مدنية محدودة حتى في الأوقات العادية.

 

لماذا ترفضهم أوطانهم؟

هؤلاء الموصومون والمصدومون الذين يعيشون بلا وطن، يناشد أفراد أسرهم بلدان أزواجهم القتلى الأصلية لاستقبالهم.

وحتى الآن، كانت الاستجابة ضعيفة إلى حدٍّ كبير، حيث صرَّحت بريطانيا وفرنسا وأستراليا وكثير من دول أوروبا بأنها لم تتخذ بعد قراراً بشأن ما يجب القيام به تجاه أطفال مقاتلي التنظيم على وجه الخصوص.

فقال مسؤول بريطاني: "على النساء اللواتي اخترن مغادرة المملكة المتحدة والذهاب إلى هناك أن يتحملن مسؤولية ما فعلنه. لن يسمح لهن بالعودة إلى الوطن. لكن الأطفال يستحقون الرحمة".

 

السجن

وفى يوم الجمعة، يبدو أن فرنسا تحرز تقدماً فى موقفها، حيث أعلنت وزيرة الدفاع فلورنس بارلى فى الإذاعة الفرنسية أن أطفال مواطنيها قد يسمح لهم بدخول البلاد، ولكن دون أمهاتهم.

وقالت بارلي: "يمكن للأطفال الذين هم في السجون المحلية، البقاء مع آبائهم في الوقت الذي يحاكمون فيه محلياً، أو أن يعادوا إلى فرنسا، حيث ستعتني بهم إدارة الخدمات الاجتماعية. وهم عادة ما يكونون صغاراً جداً، لكنهم ربما يكونون متطرفين ويحتاجون إلى مراقبة. والتحدي الذي يواجهنا هو تحويلهم إلى مواطنين مرة أخرى".

وعلى مدى الأشهر الثلاثة الماضية، ما برحت الأمم المتحدة تمارس الضغط على البلدان التي أنجب مواطنوها أطفالاً في مناطق خاضعة لسيطرة تنظيم الدولة للتوصل إلى حل بشأنهم.

وقالت رولا أمين، المتحدثة باسم المفوضية العليا للاجئين لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا "تشعر المفوضية بقلق بالغ إزاء مصير الأطفال وخطر انعدام الجنسية الذي يواجهونه. المفوضية العليا لشؤون اللاجئين لديها التزامٌ لدعم الحكومات لمنع عدم منح الجنسية للأفراد وحماية الأشخاص عديمي الجنسية.

ولذلك، ندعو بقوة حكومات البلدان المعنية إلى تسجيل ولادة هؤلاء الأطفال وضمان حصولهم على جنسية. وهذا أمر حيوي لتمكين هؤلاء الضحايا الأبرياء والصغار الذين عانوا بالفعل وشهدوا الكثير من المعاناة، من أن يقيموا بصورة قانونية في بلدٍ ما مع أسرهم، ويشعروا بالهوية والانتماء إلى مجتمع، ويذهبوا إلى المدرسة، ويحققوا إمكاناتهم ويأملوا في مستقبل سلمي وبنّاء".

في مخيم عين عيسى بالرقة، يتم تخصيص خيام للعائلات التي تأتي من مناطق سيطرة تنظيم الدولة، ولكنها لا تنتمي بالضرورة إلى التنظيم.

بعضها من أقارب شخصيات بارزة في المجتمع المحلي. قام بعضهم بإقامة مساكن عندما جاء تنظيم الدولة إلى المدينة قبل ثلاث سنوات، والبعض الآخر، مثل أبو جاسم من الفلوجة في العراق، متهمٌ بالتعاطف مع التنظيم منذ عقد من الزمن.

كان محاطاً بالرجال المشبوهين، وقال إنه انتقل في السنوات الثلاث الماضية من الفلوجة إلى البوكمال على الحدود العراقية، ثم دير الزور. ويضيف: "في كل مكان كنا نذهب كانت الغارات الجوية تتبعنا".

وقال الرجال إنهم لا يعرفون شيئاً عن أرامل تنظيم الدولة اللاتي يعشن على بعد بضع مئات من الأمتار، ولا يبدو أنهم يهتمون. أخرج رجل من وراء الستار فتاة معاقة بشدة تبلغ من العمر 12 عاماً، لا تستطيع التحرك ولا الكلام. ولدت بعد حرب الفلوجة الثانية.

فمنذ تلك المعركة، أصبح عدد العيوب الخلقية في المدينة أعلى بكثير من المتوسطات الوطنية. ولم يحدد أحد بعد السبب. وقال أبو سهيل "لدينا ما يدعو للقلق أكثر منهم. لقد اختاروا مصيرهم".

 

يعاقبون على جرائم لم يرتكبوها

عبر الحدود العراقية جنوبي الموصل التي استعادت قوات حكومة بغداد السيطرة عليها في يوليو/تموز الماضي 2017، أعرب عبد الوهاب السعدي، نائب قائد قسم مكافحة الإرهاب، عن حيرته. تقوم قواته بحراسة نحو 1800 امرأة وطفل في مبانٍ مهجورة. جميعهم تقريباً من الأجانب.

وقال "هناك الكثير من الكلام عن إعادة التأهيل الأمر الذي من وجهة نظري الشخصية هو الطريقة الإنسانية التي يجب أن نلجأ إليها. استناداً إلى القانون ، لا يمكنك محاسبة أقارب الجاني على أفعاله أو محاكمتهم. ولكن هذا ما نقوم به (أي معاقبتهم على جرائم لم يرتكبوها).

ويضيف قائلاً: "والسبب هو أن مجتمعنا، التقاليد والقيم العراقية، لن تسمح بالتسامح مع هذه العائلات. ويجب على المجتمع الدولي التدخل، والمجتمع المدني العراقي جنباً إلى جنب مع السلطات المحلية، يجب أن تعمل على المزيد من برامج إعادة التأهيل حتى نتمكن من إعادة هؤلاء الناس مرة أخرى إلى مجتمعنا".

ويبدو أنه من غير المرجح أن تفعل المجتمعات المحلية ذلك. كتبت نشرة وزعت على عائلات تنظيم الدولة "إن أبناء التنظيم أساؤوا إلى أهل هذه المدينة الطيبين والمسالمين، وأضروا بهم. يجب أن ترحلوا، ليس لكم مكان بيننا وصبرنا نفد. لا تقفوا في مرمى أسلحتنا الموجهة إلى أبنائكم المعتدين. ليس لديكم شيء سوى العار. ولشهدائنا الخلود والمجد".

 

سيصبحون أخطر من آبائهم

وقد طلب مسؤولون في الموصل من سكينة محمد يونس مديرة مكتب النساء والأطفال في محافظة نينوى العثور على حل للأطفال اليائسين في منطقتها: "هناك أكثر من 1500 عائلة من عائل التنظيم من السكان المحليين مقسمين بين المخيمات في حمام العليل وجدعة وقيارة. هناك سوريون وروس وشيشان وجنسيات أخرى.

لقد أرسلت مؤخراً 13 طفلاً من أبناء مقاتلي التنظيم إلى دار للأيتام. كما تمكنت من إرسال عدد قليل من الأيتام إلى المدرسة على الرغم من كونهم عديمي الجنسية وليس لديهم بطاقات هوية؛ بعضهم حتى كان حافي القدمين... هؤلاء الأطفال هم ضحايا.

يتم فصل السكان المحليين عن الأجانب. تقول سكينة "نحن لا نعرف ما سيحدث للسكان المحليين ولا للأجانب. ولا توجد خطط استراتيجية".

وقد قام زعيم شيشاني مؤخراً باستقبال أربعة أطفال شيشان. كما تم اختيار فتاة روسية صغيرة من قبل وفد روسي. أبناء السكان المحليين حالتهم أصعب بكثير، من سيأخذهم؟ لا أحد... لا أحد على استعداد، ولا أظن أنهم يستطيعون العودة إلى وطنهم، فهم ليسوا موضع ترحيب هناك. ولكن ما ذنب الأطفال؟

تضيف: اسمحوا لي أن أقول لكم شيئاً وتذكروا كلامي، إن لم نحرص على هؤلاء الأطفال -سواء المحليين أو الأجانب- سوف يكبرون ليصبحوا أسوأ من تنظيم الدولة".

تصل الشاحنات يومياً إلى عين عيسى حاملة لاجئين سوريين جدد. في الرقة، يقوم بعض المتسللين من مناطق التنظيم بالذهاب إلى الجانب الكردي كل أسبوع. يقول إلياس الذي يقود فريقاً على الخطوط الأمامية "لا نضايقهم، بل نرسلهم إلى قوات الأمن. إنهم يقيمون معهم لمدة شهر تقريباً ثم يطلق سراح العديد منهم".

لكن الأجانب الذين احتجزوا في المخيم لا يطلق سراحهم. على حائط إحدى الغرف، كتبت امرأة باللغة العربية: "يا الله، اجعل السماء تمطر على قلبي، لكي يغرق كل ما فيه من الحزن".