الأحد 2018/02/25

قطر تستعيد حلفاءها وتسحب الأوراق من خصومها

مع اقتراب الأزمة الخليجية من شهرها العاشر ينبعث ضوء خافت من آخر النفق، يدفع للتفاؤل بأن بوادر أمل لحل الأزمة بدأت خيوطها ترتسم في الأفق، مع قراءات سياسية وإعلامية تراهن على القمة الخليجية الأمريكية السنوية في كامب ديفيد في أيار/مايو المقبل لإنهاء أزمة طال أمدها، وتحولت إلى عبء ثقيل على إدارة أمريكية منشغلة بضغوطات داخلية ومعضلات خارجية.

ورغم عدم صدور أي تأكيد رسمي عن إدارة البيت الأبيض، بشأن انعقاد قمة كامب ديفيد السنوية، وأجندتها، إلاّ أن تصريحات وزير الخارجية ريكس تيلرسون في محطته الخليجية الأخيرة إلى الكويت، والتي أعلن فيها – لأول مرة منذ بداية الأزمة – أن إطالة الأزمة الخليجية يهدد المصالح الأمريكية في المنطقة، أكدت حدوث انقلاب جذري في مواقف الإدارة الأمريكية التي ظلت على مدار تسعة أشهر كاملة تتخبط في مواقف متضاربة ومتقلبة بين الرئيس دونالد ترامب ووزير خارجيته.

وجاءت تصريحات تيلرسون لتؤكد أن البيت الأبيض حسم قراره، وباتت نظرته لخطورة الأزمة وتداعياتها أكثر نضجاً، ورغبته في إيجاد حل لها، أكثر وضوحاً وقوة من ذي قبل، بعد أن استنفدت الأزمة مبررات استمرارها، وحققت لترامب مكاسب اقتصادية ومالية تفوق ما كان يطمح له!

أولويات واشنطن

لم يعد خافياً أن تَعمُد دول الحصار إطالة الأزمة بلا مبرر مقنع، بات يؤرق إدارة البيت الأبيض ويعكر صفو تركيزها على ملفات أعقد، من قبيل التحقيقات المثيرة لوكالة الاستخبارات الأمريكية التي تضيق الخناق على ترامب ورجاله يوماً بعد يوم، موازاة مع مشاكل داخلية تستنفر المجتمع جراء انتشار الجريمة وتعطل قوانين الهجرة ومشاكل داخلية أخرى، بجانب رهانات خارجية أكثر إلحاحاً وأولوية في أجندة ترامب، في صورة منافس روسي يزداد نفوده السياسي والعسكري اتساعا في سوريا ومناطق كثيرة، وزعيم كوري شمالي يثير القلاقل بتهديداته النووية، وخصم إيراني عنيد لم تجد معه التهديدات والعقوبات الاقتصادية، وقضايا أخرى معقدة تشغل الرأي العام الأمريكي وتقضّ مضاجع ساسة البيت الأبيض، ولم تعد تحتمل مزيداً من استنزاف الجهود وتضييع الوقت، بعد أن حققت الأزمة الخليجية مكاسب مالية وآلاف الوظائف للشعب الأمريكي، وانتفت مبررات إطالة أمدها.

خيبات دول الحصار

تكشف تطورات أزمة الحصار التي تدخل شهرها العاشر في السادس من آذار/مارس المقبل، مضي قطر في حصد مزيد من الإنجازات الدبلوماسية، ليس أقلّها عودة العلاقات الدبلوماسية مع تشاد، وقبلها عودة سفير السنيغال إلى الدوحة، وإعلان التحالف العالمي لمنظمات حقوق الإنسان (يضم 110 مؤسسة وطنية حقوقية عبر العالم) دعمه لتحركات اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان القطرية، وحثّها على المضي قدماً في رصد انتهاكات دول الحصار.

في المقابل، يواصل رباعي الحصار (السعودية، والإمارات، والبحرين، ومصر) جرّ مزيد من خيبات الأمل والانكسارات، ليس آخرها قرار جيبوتي فضّ شراكتها مع موانئ دبي العالمية، بعدما انكشفت لها خفايا أطماع دولة الإمارات السياسية والأمنية وتخطيطها للسيطرة على القرار السيادي لدولة جيبوتي، واستغلال الصفقة التجارية مظلّة لبسط نفوذها على البلد العربي الافريقي الذي تتنافس على أراضيه أقوى الجيوش العالمية التي سارعت لفتح قواعد عسكرية فيها، واتخذته الإمارات بوابة لاكتساح القارة الافريقية، ضمن مخططاتها للسيطرة على أهم الموانئ والمعابر الدولية، تحت غطاء الاستثمارات التجارية!

وطيلة الشهور التسعة للأزمة، لم يتوقف توافد الرؤساء والملوك وقادة الدول على الدوحة، رغم جهود دول الحصار المضنية لمحاولة إقناع دول العالم بالتضييق على قطر، عبر تكرار أسطوانة مشروخة واتهامات بلا أدلة، تزعم دعم قطر وتمويلها للإرهاب، في وقت أثبتت الدوحة نجاعتها وقوة حجتها، وأقنعت العالم بفضل دبلوماسية عقلانية، وبالحجة والمنطق، مُعلنة في أكثر من منبر ومناسبة استعدادها للحوار، بوصفه الأسلوب الوحيد لحل الأزمة، شرط عدم المساس بسيادتها أو فرض إملاءات عليها، موازاة مع مضيها في اتخاذ مزيد من الإجراءات لتأكيد جديتها في الالتزام بالقوانين الدولية، من قبيل توقيع اتفاقيات لمكافحة الإرهاب مع الولايات المتحدة، وانخراط تام في الحرب العالمية لمكافحة تنظيم «الدولة»، والمشاركة في مناورات عسكرية مع أكبر الجيوش العالمية.

ولم تغب قطر طيلة الأشهر الماضية عن المنابر الدولية، فكان أميرها الشيخ تميم بن حمد آل ثاني حاضراً في الاجتماع السنوي للجمعية العامة للأمم المتحدة، وصولاً إلى مؤتمر ميونيخ للأمن، والذي دُعي للمشاركة في جلسته الافتتاحية وإلقاء خطاب أمام نخبة من رؤساء وقادة العالم لشرح رؤية قطر للأمن العالمي وفهم تداعيات أزمة الحصار، خلافاً لقادة دول الحصار الذين لم توجه لهم الدعوة!

وفي مواجهة خطاب التشويه والحملات التحريضية، والاستعانة بمنظمات وهمية لتشويه سمعتها، انتهجت قطر دبلوماسية الإقناع والحوار منذ اليوم الأول، فأثمرت تلك الجهود إقناع السّواد الأعظم من دول العالم التي أعلنت دعمها للدوحة ورفض الحصار المفروض عليها، وعدم اقتناع تلك الدول بالمبررات التي ساقتها لفرض حصار جائر تسبّب في معاناة إنسانية لآلاف المواطنين والمقيمين في قطر ودول الحصار نفسها، ممّن حرموا من حقوقهم الأساسية، كالحق في التنقل ولم الشمل، وفرض حصار قاسٍ تضمن عقوبات أحادية الجانب، لم تتضرر منه الحكومة القطرية، بقدر المعاناة التي واجهها المواطنون والمقيمون في دول الخليج!

تفاوض من موقع القوة

لقد بلغت الأزمة الخليجية ذروة التصعيد، ولم تعد دول الحصار تملك أي أوراق لممارسة تصعيد إضافي على قطر أو تبرير إطالتها للأزمة، وباتت تبحث عن مسلك للنزول من شجرة المطالب الثلاثة عشر التي علقت فوقها، وفشلت في تحقيق أي منها، أو إقناع العالم بأحقيتها.

كما أن رهان دول الحصار على دعم الرئيس دونالد ترامب لم يعد ممكنا، بعد انقلاب موازين القوى في دوائر القرار الأمريكي لصالح قطر كما أكدته تقارير إعــلامية أمريــكــيــة، وميــل إدارة البيت الأبيض إلى ضـــرورة حل الأزمة ووقـــف الحــصار فوراً. حقيقة لخّصها نائب رئيـــس الوزراء وزير الخـــارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن في قوله «إن واشنطن لا تقف في صف دول الحصار، وإن الولايات المتحدة لن تسمح بإطالة الأزمة لأنها باتت تهدّد مصالحها».

وإلى أن تكشف الأيام المقبلة عن الخطوة التي ستعلن بداية مسار الحوار والجلوس إلى طاولة المفاوضات، يستمر أطراف الأزمة الخليجية في تبادل التصعيد السياسي والإعلامي، في انتظار حوار مرتقب والتفاوض على حلول، لا مفرّ أنها ستفرض تنازلات على كل الأطراف، لكن الأكيد أن المفاوض القطري بات يملك أوراقا أكثر من خصومه، ودعماً دوليا لحجته، ما يجعله يفاوض من موقع قوة.