السبت 2018/04/21

دول الحصار تفاقم معاناة المقيمين في قطر

باتت أسعار تذاكر السفر الخيالية كابوساً ينغّص حياة أزيد من مليون مقيم من مختلف الجنسيات في دولة قطر، جراء الزيادات الجنونية التي تسبّب فيها الحصار الجوي المفروض على قطر منذ قرابة عام كامل، وحرمان الآلاف من المقيمين من السفر نحو بلدانهم في رحلات طيران مباشرة لقضاء إجازاتهم.

وعلى الرغم من العروض التي تقدمها بعض شركات الطيران، إلا أن إجراءات دول الحصار التي حرمت الخطوط القطرية من التحليق فوق أجوائها، وأجبرتها على قطع مسافات طيران أطول، ضاعفت تكلفة السفر، وعمّقت معاناة المقيمين الذين أضطر الكثيرون منهم على إلغاء إجازاتهم السنوية، بسبب التكلفة المضاعفة لتذاكر السفر، واضطرارهم لقضاء ساعات طويلة جدا في محطات العبور «الترانزيت» قبل الوصول إلى أوطانهم.

مع اقتراب موسم الإجازات الصيفية، والأعياد وشهر رمضان، لا حديث بين المقيمين في قطر من مختلف الجنسيات، إلاّ عن «كابوس تذاكر السفر الخيالية».

والمصريون المقيمون في قطر من بين الأكثر معاناة من كابوس تذاكر السفر، فمن بين أزيد من 250 ألفا، يعمل معظمهم في قطاعات الإنشاءات والخدمات، لا تسمح ظروف الكثيرين منهم بدفع التكاليف المرتفعة باضطراد لسداد تذاكر السفر. وعلى الرغم من أن قوانين العمل في قطر تمنح للمقيمين تذكرة سفر سنوية للعامل وزوجته وطفلين من عائلته، إلاّ أن إغلاق المجال الجوي أمام خطوط شركة الطيران القطرية، بعد إيقاف الرحلات المباشرة بين الدوحة والقاهرة والاسكندرية وإجبار المقيمين على السفر عبر أكثر من محطة، جعل أسعار التذاكر ترتفع بنسب قياسية.

للعام الثاني على التوالي، يضطر سامي لإلغاء إجازته السنوية، ويحرم قسراً من حقّه في زيارة والديه وأهله في مصر، وتلبية نداءات أمه المتقدمة في السن برؤية فلذة كبدها وأحفادها. بينما لا يجد الشاب المصري الأربعيني سوى الدعاء، والحرص على الاتصال يوميا بوالدته، علّ ذلك يخفّف قليلا من معاناتها، ويروي شغف الحنين لابنها، كحال الآلاف من الأمهات اللائي تسبّب الحصار في حرمانهن من التواصل الأسري، إن بفعل بعد المسافات بالنسبة للمقيمين، أو لأن الأم أو أحد أبنائها يحملون الجنسية القطرية التي باتت «جريمة» في أعين دول الحصار، تبرّر قطع الأرحام وحرمان الآلاف من الأسر من التواصل فيما بينها، وإجبار الكثير من الأزواج على الانفصال عنوة. ويروي سامي معاناته لـ «القدس العربي» قائلاً: «حسبنا لله في دول الحصار. ما ذنبنا نحن المواطنين والمقيمين حتى يحولوا حياتنا إلى معاناة؟ لماذا نحرم من حقنا في السفر إلى أوطاننا عبر خطوط مباشرة، ونضطر إلى دفع أضعاف مضاعفة عمّا كنا ندفعه للسفر إلى مصر في رحلات مباشرة قبل بدء الحصار؟».

وبنبرة هي مزيج بين الحسرة والغضب في الآن نفسه، يتابع سامي سرد محنته، ومعاناة الكثيرين من أبناء بلده، قائلاً: «قبل بدء الحصار الجائر لم تكن أسعار التذاكر الأربع لي ولزوجتي وابني وابنتي تتجاوز 4 آلاف ريال على الأكثر، واليوم بسبب الحصار، أصبح مطلوباً مني دفع أزيد من 20 ألف ريال قطري للسفر إلى بلدي ورؤية والدتي! فقد حرمتنا إجراءات دول الحصار للأسف من الوصول مباشرة إلى مصر، وأصبحنا نُضطر للسفر إما عبر الكويت أو الأردن أو بيروت. ناهيك عن أن السفر عبر هذه الدول يضطر عائلات بأكملها للمكوث ساعات طويلة في منطقة العبور «الترانزيت» في المطارات الدولية، قبل استئناف الرحلة إلى مصر، هذا، إن وجدت أصلاً مقاعد في موسم الإجازة الصيفية والأعياد».

الهاجس الأمني

وليس غلاء تذاكر السفر أكثر ما يؤرق المصريين على وجه التحديد، فالخوف من الاعتقال والمنع من العودة إلى قطر مجدداً، هاجس آخر يطارد الراغبين في السفر إلى بلادهم.

ويقول أبو آلاء الذي يعمل في قطاع الإعلام لـ «القدس العربي»: «ليست تذاكر السفر الكابوس الوحيد للمصريين، فحتى السّفر إلى وطننا الأم بات بالنسبة لكثيرين مجازفة غير محمودة العواقب، لا سيّما بالنسبة للصحافيين الذين يخشون أي شكوى كيدية أو مزاجٍ تعسفي لرجل أمن يحرمهم من العودة مجدداً، لا لذنب اقترفوه، سوى لأنهم قدموا من قطر للأسف الشديد».

شهادة ابراهيم وثّقها تقرير للمفوضية السامية لحقوق الإنسان، استنادا لتصريحات مسؤول في إحدى الصحف القطرية المحلية، يؤكد أن قرابة 60 في المائة من الصحافيين المصريين امتنعوا عن السفر إلى وطنهم، وألغوا الإجازة خشية منعهم من العودة إلى قطر مجددا، أو اعتقالهم بتهمٍ مختلفة.

معاناة المقيمين في قطر مع غلاء تذاكر السفر لم تستثن جنسية بعينها، وإن كان الأوروبيون أكثر حظا لعدم اضطرارهم للمرور عبر الأجواء السعودية أو لوجود بدائل مثل الخطوط التركية التي باتت ملاذ المسافرين نحو أوروبا. وبالنسبة للمقيمين من باقي الجنسيات العربية، فالمعاناة هي نفسها، وان اختلفت حدّتها، حسب بعد المسافة جوا من قطر نحو أوطانهم، وعدد الساعات التي يضطرون لقضائها في مطارات دول العبور، ومدى وجود بدائل لشركات طيران توفر خطوطا مباشرة نحو بلدانهم.

وفي مواجهة هاجس الأسعار، يُضطر المقيمون في قطر إلى تصيّد موسم العروض والتخفيضات الاستثنائية التي تعلن عنها شركات الطيران الدولية، علّهم يحظون بأسعار «أرحم» لجيوبهم، آملين أن يستفيق ضمير دول الحصار لهول المعاناة الإنسانية التي يتسبّبون بها لأزيد من مليون و300 ألف مواطن ومقيم في قطر، وحرمانهم من الحق في التنقل، والتملك، والعلاج، ولم الشمل الأسري، وممارسة الشعائر الدينية، والحق في التعليم. في وقت، نجحت الحكومة القطرية في تخطي الآثار السلبية للحصار على معيشة سكان قطر، عبر توفير بدائل اقتصادية ومصادر للمنتجات الاستهلاكية، بفضل زيادة الإنتاج المحلي، والانفتاح على أسواق خارجية لدول صديقة، رفضت منذ اليوم الأول الانصياع لإجراءات دول الحصار، فلم توقف تلك الدول صادراتها من المنتجات الغذائية والاستهلاكية نحو دولة قطر.

وتحتفظ ذاكرة المقيمين في قطر بما حدث في الأيام الأولى من الحصار، حينما اضطروا للوقوف في طوابير طويلة، وانتظار بضعة أشهر، قبل أن يستعيدوا أموالهم جراء إلغاء شركات الطيران التابعة لدول الحصار رحلاتها من وإلى قطر، في وقت سارعت الخطوط الجوية القطرية لامتصاص الصدمة، والتخفيف من معاناة المسافرين القطريين والمقيمين من مختلف الجنسيات، حيث أطلقت الشركة وقتها بوابة إلكترونية من أجل مساعدة المسافرين للتقديم على طلب استرداد قيمة التذاكر، من أجل وضع حد لما تسبّبه قرار الحصار «المفاجئ» من إزعاج وارتباك للمسافرين الذين تأثروا بالحصار الجوي وإغلاق مكاتب الخطوط الجوية القطرية وحجب موقعها الإلكتروني.