الأحد 2018/02/25

قصة حقل “ظهر” الكاملة.. مصر تنازلت عن حصتها للشركة الإيطالية وقطر لها نسبة فيه

إعلان الجانب الإسرائيلي منفرداً عن صفقة تصدير الغاز الأخيرة لمصر أثار عدة تساؤلات، لعل أبرزها كان: كيف بين عشية وضحاها تبدَّلت الأدوار؟ فمصر التي كانت تصدر الغاز لإسرائيل أصبحت تستورده منها اليوم!

ثم مِن أين أتت إسرائيل أصلاً بهذا الغاز؟ والأهم كيف يحدث هذا بعد أسابيع معدودة من اكتشاف حقل "ظهر"، الذي بشَّرتنا الحكومة المصرية بأنه سيكفي احتياجها المحلي ويفيض؟

تساؤلات عديدة نحاول الإجابة عنها في هذا التقرير.

قصة حقل ظهر من البداية

في عام 2010، أعلنت شركة "شلمبرجير" الأميركية، عن انتهاء المسح السيزمي متعدد الزوايا والنطاقات، بمنطقة شرق وغرب المتوسط، الذي بدأ عام 2008 بمشاركة خبراء من هيئة المساحة الأميركية. هذا المسح أسفر عن اكتشاف "كنز" من الغاز الطبيعي بمنطقة شرق المتوسط، يبلغ قدره 225 تريليون قدم مكعبة.

رئيس أحد القطاعات بوزارة البترول المصرية والمشتبك بشكل مباشر مع الملف، تحدث مع "هاف بوست عربي" عن مراحل تطور الاتفاق، قائلاً إن تكلفة البحث والتنقيب عن البترول مكلفة جداً.

وأوضح أن هناك بروتوكولاً حاكماً لتلك العملية نظراً لارتفاع التكلفة، وهو أنه يتم تجنيب 40% من المنتج الصادر لصالح الشركة المنقبة كمقابل لتكلفة التنقيب والبحث نفسها، ثم يتم اقتسام النسبة الباقية بواقع 30% لكل طرف.

وبالتالي فإن نسبة شركة إيني الإيطالية من حقل "ظهر" هي 70%، ونصيب مصر 30%. يستمر ذلك إلى أن نصل إلى ما يعرف باسم "نقطة التعادل"، أي يتم تسديد مديونيه قيمة التكلفة الأصلية المتعلقة بأعمال البحث والتنقيب.

وقال المسؤول الحكومي الذي رفض التصريح باسمه، إن الظروف خدمت شركة إيني كثيراً "من جانب، تزامن ذلك مع ضغوط اشتراط صندوق النقد الدولي على الحكومة المصرية تسديد الديون المتراكمة عليها لشركات البترول، قبل الاستمرار في أخذ الدفعات التالية من القرض". وهو ما حدث بالفعل، إذ تم تحويل مبلغ 2.2 مليار دولار لتلك الشركات، كان نصيب "إيني" منها ما يقرب من مليار دولار.

وتابع قائلاً إن هذا تم إضافة إلى أن مصر خفضت نسبة "الإتاوة" -وهي نسبة تفرض على الشركات الأجنبية نظير العمل في مصر- من 15% إلى 7%، "كانت هناك إرادة سياسية حقيقية في عقد الاتفاق"، على حد تعبيره.

مشكلة ترسيم الحدود

وحينما كشفت الشركة الأميركية عن هذا "الكنز"، ظهرت مشكلة تقاطع حدود الدول في هذه المنطقة الهامة. فنظرياً الحدود البحرية للدولة تقدر بحوالي 12 ميلاً بحرياً، بينما الحدود الاقتصادية، وهي المنطقة التي يحق للدولة فيها الاستفادة من أي موارد طبيعية، فتصل إلى 200 ميل بحري من الشريط الساحلي.

ونظراً للتداخل والاقتراب في الخريطه بين عدة دول في شرقي المتوسط، فكان لا بد من تحرك سريع لإعادة ترسيم الحدود الاقتصادية، حتى يتمكن الجميع من الوصول إلى "الكنز" الجديد.

وهنا تحرك رئيس الانقلاب المصري عبدالفتاح السيسي شخصياً، وعقد ذلك الاتفاق مع قبرص واليونان من أجل ترسيم الحدود البحرية والاقتصادية.

أحد القريبين من دوائر السلطة، الذي رفض الكشف عن هويته، تحدث إلى "هاف بوست عربي" عن ظروف المفاوضات قائلاً "المفاوضات كانت برعاية مباشرة من الرئيس، وساهم فيها فريق اقتصادي وفني، فضلاً عن قيادات من الأمن القومي والاستخبارات".

وأوضح المصدر أن هذه المنطقة من البحر مقسمة إلى "بلوكات"، وحدثت مفاوضات كثيرة انتهت إلى التصور الحالي للتقسيم، "تنازلنا لليونان عن 6 بلوكات، وأخذنا 3 أخرى عوضاً عنها، وكان حظنا جيداً، إذ يقع حقل ظهر في البلوكات المصرية".

الاستعجال المصري

فنياً، عملية تجهيز وتطهير الحقل كان مقدراً لها ما يقرب من 5 سنوات، لكن الرئاسة المصرية كانت حريصة على انتهاء العمل والبدء في ضخ الغاز قبل الانتخابات الرئاسية المقبلة، في مارس/آذار 2018، وعليه ضغطت مصر ليتم الانتهاء من المشروع برمته خلال عامين فقط!

هذا يعني ضرورة تضاعف تكلفة العمل، وهو نفس سيناريو حفر التفريعة الجديدة لقناة السويس التي قرر الرئيس ضغط مدة العمل بها.

وبالطبع رفض الجانب الإيطالي ضخ أموال إضافية في المشروع، أو تحمل تضاعف التكلفة، وبعد مفاوضات وصل الجانبان إلى اتفاق مؤداه أن مصر ستتنازل عن حصتها إلى شركة إيني لمدة تقترب من 7 سنوات لنصل لنقطة التعادل، لتعويض ذلك الفارق.

وبذلك -والحديث هنا للمسؤول الحكومي بقطاع البترول- فإن مصر لا تأخذ أي شيء من المنتج حالياً، بل إنها ستشتري كامل ما سيتم ضخه من الحقل بسعر 6 دولارات للمليون وحدة حرارية، وهو سعر ممتاز، لكنها في المقابل لا تملك فيه شيئاً.

إيني تبيع جزء من حصتها

لاحقاً قامت شركة إيني ببيع 40% من الحقل إلى شركة BB البريطانية، التي باعت بدورها ما نسبته 30% إلى شركة "Roseneft".

المفارقة هنا أن "Roseneft" تمتلك دولة قطر فيها 5%، وبذلك أصبحت قطر شريكاً مباشراً ومالكاً لحصة في حقل "ظهر"، رغم كل العداوات السياسية بين البلدين.

لم تقم مصر بنشر الخبر، وظلَّ حبيس الغرف المغلقة، لكن الجانب الروسي نشر الخبر كاملاً، فقد ذكر موقع Energia16 المتخصص في الشؤون النفطية قيمة النسب المملوكة لكل طرف في حقل "ظهر"، وجاءت كالتالي: شركة Roseneft الروسية تملك 30%، وشركة BP البريطانية تملك 10%، وشركة إيني الإيطالية تملك 60%.

لكن طاهر موجود، مدير إحدى شركات الخدمات البترولية يقول إن هذا الأمر "شبه مستحيل"، مضيفاً أن تعديل تلك النسب لا يمكن أن يتم إلا من خلال البرلمان، "لا الرئيس ولا الوزارة تملك ذلك، ما لم نسمع عنه".

من جانبنا، قمنا بالتواصل مع حمدي عبدالعزيز، المتحدث الرسمي باسم وزارة البترول المصرية لاستيضاح تلك النقطة، لكنه وبعد سماع السؤال قال إنه داخل اجتماع، طالباً منا الاتصال لاحقاً، وحتى لحظة نشر هذا التقرير لم يجب علينا بالنفي أو الإيجاب.

لكن كيف تحولت مصر من مصدر لمستورد؟

أحد مهندسي شركة "شل" رد على هذا السؤال، في تصريح لـ"هاف بوست عربي"، قائلاً "يجب أن نفرِّق بين آبار البترول وآبار الغاز".

آبار البترول عمرها الافتراضي يتراوح من 40 إلى 60 عاماً، أما آبار الغاز، والتي تعتمد على ضغط المنتج، فالعمر الافتراضي لها من 3 إلى 5 سنوات.

وقال إنه نظراً للأوضاع التي مرَّت بها مصر بعد الثورة، والأزمات الاقتصادية وتراكم المديونيات لدى شركات التنقيب، توقف البحث والكشوفات الجديدة عن الغاز الطبيعي، "وعليه فنحن لم يعد لدينا ما نصدره، إلى أن ظهر حقل ظهر وعدنا من جديد".

وأوضح أن الوضع في إسرائيل كان مغايراً تماماً، فقد نجحت تل أبيب في الاستيلاء على حقل "تمر".

ورغم اعتراض لبنان وتقديمها مذكرة إلى هيئة الأمم المتحدة في 2010 ضد إسرائيل، تقول فيها إن الأخيرة تستغل مناطق بحرية تتبع لبنان، فإن الهيئة المختصة بالأمم المتحدة أقرَّت أن حقل تمر يقع في المنطقة الخاصة بإسرائيل، وأن للبنان مناطق أخرى من المحتمل وجود الغاز فيها.

وفي نفس الوقت تقريباً، قامت شركة "نوبل إنرجي" باستخراج الغاز من حقل "لڤياثان" للغاز الطبيعي لصالح إسرائيل، وهو الحقل الذي يقع على مسافة 150 كم شمالي مدينة دمياط، وهو ما أثار اعتراضات حول وقوعه في المنطقة الاقتصادية الخالصة لمصر.

لكن مصر لم تعلق على هذا الموضوع رسمياً حتى الآن.

المفارقة هنا أن الحكومة المصرية ألقت برهان باهظ على حقل ظهر، فنظرياً كما أسلفنا، فإن العمر الافتراضي لحقل الغاز هو من 3 إلى 5 سنوات. لكن بالنسبة لحقل "ظهر"، ونظراً لأنه يقع على أعماق بعيدة، فينتظر أن يظلَّ يعمل بكفاءة لأكثر من 15 عاماً.

نظرياً هذا الكلام سليم، لكن حيث إنه لم يختبر قبل ذلك، فلا أحد يمكنه الجزم، هل سيعمل ظهر 15 عاماً تكون مصر فيها تخطت نقطة التعادل في المديونية مع شركات التنقيب، وبدأت في جني الأرباح، أم أن باطن البحر يحمل للمصريين مفاجأة غير سارّة.