الخميس 2018/03/01

“خطر لا تقترب”.. مواد تنظيم الدولة الكيماوية تثير الرعب في الموصل

ثمانية أشهر ونصف انقضت منذ انتهاء حرب السيطرة على مدينة الموصل، مركز محافظة نينوى شمال العراق، من تنظيم الدولة، لكن مخلفات الحرب المنتشرة في الأرجاء لا تزال تؤرق السكان وتحول دون عودة آلاف النازحين إلى منازلهم.

قبل بدء الحرب في الموصل، خبأ تنظيم الدولة أسلحته وذخيرته، وبينها مواد كيميائية سامة، داخل الأحياء السكنية، تجنبا للغارات الجوية من جانب طيران حكومة بغداد والتحالف الدولي، بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية.

ورغم استعادة قوات حكومة بغداد للمدينة، إلا أن تلك المواد الكيميائية لا تزال في أماكنها، واكتفت القوات بكتابة عبارة "خطر لا تقترب" عليها، لتحذير السكان.

** إمكانيات بدائية

أبو وسام الخزرجي، متقاعد عسكري بعد خدمة ثلاثة عقود في مجال تصنيع المعدات القتالية، وقف على أعتاب منزله شبه المدمر، في منطقة باب المسجد بالمدينة القديمة، وهو غير راضٍ عن الدمار الذي حل بالمكان.

إلا أن ما يزعجه أكثر، وبل ويخيفه، هو أنه تلقى معلومات من جهات عسكرية تفيد بوجود مواد كيميائية في ثلاثة منازل داخل منطقته، واكتفت فرق الجهد الهندسي، التابعة لحكومة بغداد، بوضع أشرطة حمراء على أبواب المنازل، وغادرتها دون أن ترفع المواد، بحجة عدم امتلاكها أدوات خاصة مناسبة.

بينما يسير بخطى حذرة، ويحذر من يتبعه بعدم لمس أي شيء على جانبي الطريق الضيق خوفا من أن ينفجر، قال الخزرجي للأناضول إن "فرق الجهد الهندسي بدائية جدا وغير مدربة على رفع العبوات الناسفة وإبطال مفعول المواد المتفجرة وإزالة الألغام متطورة الصنع التي زرعها التنظيم".

تابع السير في منحنيات الأزقة الضيقة المتفرعة، التي أغلقت مخلفات الحرب العشرات منها ومحت معالم الكثير منها، إلى أن وصل إلى منزل موصد الباب، وعليه شريط أحمر، يحمل عبارة: "خطر لا تقترب".

وقال المواطن العراقي إن "هذا المنزل سيطر عليه تنظيم الدولة خلال الحرب، بعد نزوح ساكنيه إلى خارج المدينة، وبعد انتهاء الحرب، وخلال عمليات التطهير، دخلت إليه فرق الجهد الهندسي، لكنها خرجت ووضعت عليه هذا الشريط الأحمر، كما فعلت في منزلين آخرين، وعند سؤالها عن السبب ذكرت أن تلك المنازل تحتوي على مواد كيميائية".

** 4 صناديق

هو الآخر لا يستطيع أكرم جواد الحمداني (38 عاما)، وهو طبيب، العودة إلى منزله في شارع الفاروق، داخل المدينة القديمة غرب الموصل.

الحمداني أوضح للأناضول السبب بقوله: "توجد في منزلي أربعة صناديق مملوءة بمواد كيميائية".

ومضى قائلا إن "قوات حكومة بغداد لم ترفع تلك المواد، وكذلك لم تفعل قوة أمريكية خاصة عاينت المكان".

** 130 موقعا خطرا

أقر الملازم أول في أحد الفرق الهندسية بقوات حكومة بغداد، والمختصة بإزالة مخلفات الحرب، يعرب المرسومي، بوجود مواد كيميائية خطرة في المدينة القديمة بالموصل.

وأردف المرسوي، للأناضول، أن "الفرق  أخفقت في رفع تلك المواد، لعدم امتلاكها أدوات خاصة بإزالة هذا النوع من المواد، فضلا عن عدم وجود عناصر مدربة، واكتفت الفرق بإزالة العبوات والصواريخ غير المنفلقة (غير المنفجرة) فقط".

وشدد المرسومي على "وجود 130 موقعا تحتوي على مواد خطرة في الموصل القديمة فقط".

وخلال الحرب قوات حكومة بغداد وتنظيم الدولة، بين عامي 2014 و2017، استخدم التنظيم صواريخ مزودة بمواد كيميائية سامة ضد قوات إقليم شمال العراق (البيشمركة) مرتين على الأقل، وفق مسؤولين في الإقليم وقوات التحالف الدولي، بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية.

وتسببت الحرب بنزوح نحو مليون شخص من الموصل من أصل حوالي مليوني شخص كانوا يقطنون المدينة، وتقول الحكومة إن نصفهم عادوا إلى منازلهم حتى الآن.

وكانت الموصل معقل التنظيم الرئيسي في العراق وأكبر مدينة في قبضته على الإطلاق، وشهدت أشرس المعارك على مدى تسعة أشهر.

ولا يزال الكثير من المنازل والبنى التحتية مدمرة، فضلا عن انتشار مخلفات الحرب في الأرجاء، وهو ما يحول دون عودة بقية النازحين إلى منازلهم.

وكان تنظيم الدولة يسيطر، منذ صيف 2014، على ثلاث مساحة العراق في شمالي وغربي البلاد.

** فرق مختصة

وقال البرفسور العراقي في مجال التخلص من المواد الكيميائية، ليث الداغستاني، للأناضول، إن "المواد الكيميائية هي تلك العناصر أو المركبات أو كلاهما، سواء كانت ملتهبة (سريعة الاشتعال) أكالة، سامة، مشعة، مؤكسدة، عوامل معدية، أو نشطة كيميائيا، والتي عند تداولها أو تخزينها أو تصنيعها، أو تعبئتها يكون لها تأثير ضار على العاملين بها، مثل أفراد الطوارئ، والعامة، والممتلكات والبيئة".

وأضاف الداغستاني، وهو يقيم في مدينة أربيل (شمال)، أن "هذه المواد المنتشرة في الموصل القديمة لا يسمح برفعها حتى من جانب فرق الجهد الهندسي، التابعة لقوات حكومة بغداد؛ لأنها خطرة عليهم جدا، وقد تتسبب بأمراض مميتة لكل من يقترب منها على فترات زمنية مختلفة".

وشدد على أن هذه المواد "بحاجة إلى فرق مختصة لإزالتها والتخلص منها، من حيث التدريب والأدوات الخاصة وطريقة التعامل".

وحذر من أنه "في حال تم نقل هذه المواد الخطرة من جانب جهات لا تعرف كيفية التعامل معها، فإن النتائج السلبية ستكون واقعة لا محال، ويصعب السيطرة عليها".

ودعا الداغستاني الحكومة الاتحادية ا إلى "التدخل العاجل في هذا الأمر الخطير، والاستعانة بفرق خاصة من قوات التحالف الدولي، الذي أعلن مرارا أن مهمته في العراق لم تنتهِ بمجرد القضاء على تنظيم الدولة".

وأعلنت بغداد، العام الماضي، اكتمال استعادتها السيطرة على الأراضي التي كان يسيطر عليها تنظيم الولة، لكن لا تزال للتنظيم خلايا نائمة في عدد من المناطق تشن هجمات من آن إلى آخر.