الجمعة 2017/08/18

رويترز تنشر تقريرا يثبت عرقلة نظام الأسد عمل مفتشي الأسلحة الكيميائية

في صيف عام 2015 رافق ضابط من قوات النظام برتبة لواء فريقا صغيرا من مفتشي الأسلحة الكيماوية إلى مخزن يقع خارج العاصمة دمشق.

كان الخبراء الدوليون يريدون فحص الموقع غير أن عدة أشخاص تم اطلاعهم على ما دار قالوا إن الخبراء ظلوا ينتظرون في السيارة خارج الموقع نحو الساعة.

وعندما تم السماح لهم بالدخول في نهاية الأمر كان المبنى خاليا. ولم يجدوا أي أثر لكيماويات محظور استخدامها.

قال الضابط في قوات النظام الذي عرفه المفتشون باسم شريف وهو يفتح الباب "انظروا لا يوجد شيء يستحق الرؤية".

لماذا إذن اضطر المفتشون للانتظار؟ قال النظام إنه كان يحصل على الموافقات اللازمة لإدخالهم لكن المفتشين لهم رأي آخر. فقد اعتقدوا أن السوريين يسوفون بينما كانت عملية تطهير المكان تجري. فلم يبد منطقيا للفريق أن يتطلب الأمر موافقة خاصة للسماح بدخولهم إلى مبنى خال.

هذه الواقعة التي لم ينشر عنها شيء من قبل ليست سوى مثال واحد على الأسلوب الذي عرقلت به قوات النظام عمل المفتشين وكيف فشل المجتمع الدولي في محاسبة الأسد وذلك حسبما اتضح من خلال مقابلات مع مسؤولين ودبلوماسيين ومحققين كان لهم دور في التخلص من أسلحة الدمار الشامل في سوريا.

تجنب النظام ضربات جوية أمريكية بالوعد الذي قطعه على نفسه عام 2013 بأن يتخلى عما لديها من أسلحة كيماوية. ويعتقد كثير من الدبلوماسيين ومفتشي الأسلحة الآن أن هذا الوعد لم يكن إلا خدعة.

ويشتبه هؤلاء أن نظام بشار الأسد ظهر بمظهر المتعاون مع المفتشين الدوليين بينما احتفظ سرا بقدرات لامتلاك أسلحة كيماوية جديدة وطورها.

ويقولون إنالنظام  أعاق المفتشين وقدم لهم معلومات ناقصة أو مضللة واتجهت لاستخدام قنابل الكلور عندما تضاءل ما لديها من كيماويات أخرى.

وقعت عشرات الهجمات التي استخدم فيها الكلور وعلى الأقل هجوم واحد استخدم فيه غاز السارين منذ عام 2013 الأمر الذي تسبب في أكثر من 200 حالة وفاة وإصابة المئات. ويقول المفتشون الدوليون إن تقارير وردت عن أكثر من 100 واقعة استخدمت فيها أسلحة كيماوية في العامين الأخيرين وحدهما.

وقالت أنجيلا كين التي كانت كبيرة ممثلي الأمم المتحدة في نزع الأسلحة حتى يونيو حزيران 2015 لرويترز "التعاون كان على مضض في كثير من الجوانب وهذه طريقة مهذبة لوصفه. فهل كانوا يتعاونون ببشاشة؟ لا".

وأضافت "ما اتضح فعلا هو أنه لم يكن ثمة إجراء مضاد. أن المجتمع الدولي في الأساس كان بلا حول ولا قوة".

ترددت أصداء مشاعر الإحباط تلك في تصريحات كارلا ديل بونتي محققة جرائم الحرب بالأمم المتحدة التي أعلنت في السادس من أغسطس آب الجاري أنها ستترك منصبها في لجنة التحقيق التابعة للأمم المتحدة الخاصة بسوريا.

وقالت ديل بونتي "لا أملك سلطة ما دام مجلس الأمن لا يفعل شيئا. نحن لا حول لنا ولا قوة ولا إنصاف لسوريا".

لم يسبق أن دار الحديث على الملأ عن مدى ممانعة النظام في التخلي عن الأسلحة الكيماوية وذلك خشية إلحاق الضرر بالعلاقة التي تربط المفتشين الدوليين بنظام الأسد وكذلك روسيا التي تقدم الدعم العسكري للنظام.

والآن زود المحققون ومصادر دبلوماسية رويترز بتفاصيل لها أهميتها:

- ما قدمه النظام من بيانات عن أنواع الكيماويات التي امتلكها وكمياتها لا يتطابق مع الأدلة التي كشف عنها المفتشون على الطبيعة. فعلى سبيل المثال لا ذكر في إفصاحاته للسارين ومع ذلك ثمة أدلة قوية على أن السارين استخدم في سوريا بل إنه استخدم في العام الجاري. وعثر المفتشون على كيماويات أخرى لم يذكرها النظام ومن بينها آثار غاز الأعصاب (في.إكس) والريسين السام ومادة كيماوية يطلق عليها اسم هكسامين تستخدم في تثبيت السارين.

- أبلغت قوات الأسد المفتشين في 2014-2015 أنها استخدمت 15 طنا من غاز الأعصاب و70 طنا من خردل الكبريت في إجراء أبحاث. وعلمت رويترز أن المحققين يعتقدون أن تلك الكميات ليس لها "مصداقية علمية". فقد قال مصدران شاركا في عمليات التفتيش في سوريا إن الأبحاث لا تتطلب سوى جزء يسير من هذه الكميات.

- لا يُعرف مصير ما لا يقل عن 2000 قذيفة كيماوية قال النظام إنها تم تحويلها إلى أسلحة تقليدية واستخدمت أو تم تدميرها الأمر الذي يشير إلى أنها ربما لا تزال في أيدي نظام الأسد .

- قال ثلاثة مصادر على اطلاع مباشر بالأمر لرويترز إن مسؤولين عسكريين سوريين طلبوا من شهود على علم ببرنامج الأسلحة الكيماوية في دمشق تغيير أقوالهم أثناء المقابلات مع المفتشين.

سلم رئيس منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، وهي الجهة الدولية المنوط بها الإشراف على التخلص من الأسلحة الكيماوية السورية وتدميرها، بأن أسئلة لها خطورتها لا تزال بلا إجابة عن مدى اكتمال إفصاحات النظام ودقتها.

وقال الدبلوماسي التركي أحمد أوزومجو المدير العام للمنظمة لرويترز "من المؤكد أن هناك بعض الفجوات والأمور الغامضة والتناقضات."

لكنه رفض انتقادات وجهتها كين وبعض الدبلوماسيين الآخرين لأسلوب قيادته للمنظمة. وكانت كين قالت لرويترز إنه كان يجب على أوزومجو أن يعمل على زيادة الضغط على النظام فيما يتعلق بالثغرات في إفصاحاتها وأن يبذل المزيد من الجهد في دعم مفتشيه.

ورد أوزومجو قائلا إنه ليس من واجبات وظيفته أن يضمن "الالتزام الكامل" بالمعاهدات الخاصة بالأسلحة الكيماوية وقال إن المنظمة مكلفة بتأكيد استخدام الأسلحة الكيماوية لا بتحديد المسؤول عن استخدامها.

وأصر فيصل المقداد نائب وزير خارجية نظام الأسد على أن سوريا خالية تماما من الأسلحة الكيماوية ودافع عن مدى تعاون بلاده مع المفتشين الدوليين.

وقال المقداد لرويترز في مقابلة "أؤكد لكم أن ما سمي ببرنامج الأسلحة الكيماوية السوري قد انتهى وانتهى إلى غير رجعة. ولا توجد أي أسلحة كيماوية أخرى في سوريا".

* هجوم السارين

في 21 أغسطس آب عام 2013 سقط مئات القتلى في هجوم بغاز السارين في منطقة الغوطة على مشارف العاصمة دمشق . ويتسبب هذا الغاز الذي لا لون له ولا رائحة في اختناق من يستنشقه ولو بكميات صغير

وحملت حكومات غربية نظام الأسد المسؤولية عن هذا الهجوم. ونفى النظام مرارا استخدام أسلحة كيماوية وقالت إن المسؤولية تقع على عاتق المعارضة.

وفي أعقاب ذلك الهجوم تم التوصل إلى اتفاق بوساطة الولايات المتحدة وروسيا وافقت بمقتضاه قوات النظام على التخلص من برنامج الأسلحة الكيماوية.

وفي إطار ذلك الاتفاق انضم نظام الأسد إلى منظمة حظر الأسلحة الكيميائية التي تتخذ من لاهاي في هولندا مقرا لها ووعدت بفتح حدودها للمفتشين والكشف عن برنامجها بالكامل بعد أن كانت تنفي من قبل أن لديها أسلحة كيماوية.

وأعلن النظام أن لديها 1300 طن من الأسلحة الكيماوية أو المخزونات الكيماوية الصناعية وهي تقريبا الكمية التي قدرها خبراء خارجيون. وفي عملية قادتها منظمة حظر الأسلحة الكيميائية وبلغت تكاليفها مئات الملايين من الدولارات تم شحن تلك الكميات إلى الخارج لتدميرها بمساعدة 30 دولة على رأسها الولايات المتحدة.

لكن كان ثمة مشكلتان رئيسيتان. أولا لم تسر عمليات التفتيش بيسر وسهولة. فبعد أيام من هجوم السارين في الغوطة تعرض مفتشو المنظمة المتجهون إلى المنطقة لنيران قناصة. ووصل المفتشون إلى الغوطة في نهاية المطاف وأمهلتهم قوات الأسد ساعتين فقط لمقابلة الشهود وأخذ العينات. وأكد الفريق استخدام غاز السارين.

وفي مايو أيار 2014 تعرضت قافلة مشتركة من المنظمة ومن الأمم المتحدة لانفجار ونيران بنادق كلاشنيكوف أثناء محاولتها الوصول إلى موقع هجوم آخر استخدمت فيه أسلحة كيماوية في مدينة كفر زيتا في شمال البلاد. وفشلت تلك المهمة.

ولم يتسن لرويترز تحديد عدد مرات عرقلة عمل المفتشين لكن أربعة دبلوماسيين ومفتشين من المشاركين في العملية قالوا لرويترز إن تكتيكات النظام تضمنت رفض إصدار تأشيرات سفر وتقديم كميات كبيرة من الوثائق عدة مرات لتعطيل سير العملية وفرض قيود على تفتيش المواقع في الدقائق الأخيرة وإجبار شهود بعينهم على تغيير رواياتهم في المقابلات.

وذكرت هذه المصادر أن فريق منظمة حظر الأسلحة الكيميائية أجرى 18 زيارة لمواقع منذ 2013 لكنه الآن توقف فعليا لأن قوات النظام لم تقدم معلومات كافية أو دقيقة.

وكانت المشكلة الثانية هي تغيير تكتيكات قوات الأسد. وقال مفتشان إن الأمم المتحدة ومنظمة حظر الأسلحة الكيميائية ركزتا على التخلص من المخزون الذي اعترف النظام بامتلاكه بينما شرعت قوات الأسد في استخدام قنابل كلور جديدة بدائية الصنع. وأفادا بإسقاط ما يصل إلى 100 برميل متفجر بغاز الكلور من طائرات هليكوبتر منذ 2014.

وغاز الكلور أقل سمية من غاز الأعصاب ويتوفر على نطاق واسع لكن استخدامه كسلاح محظور بموجب اتفاقية الأسلحة الكيميائية التي وقع عليه النظام عند انضمامها لمنظمة الأسلحة الكيميائية وهي وكالة بين الحكومات تعمل مع الأمم المتحدة لتنفيذ الاتفاقية. وفي حال استنشاق غاز الكلور يتحول إلى حمض الهيدروكلوريك في الرئتين ويمكن أن يقتل عن طريق إغراق الضحية في سوائل الجسم.

وقال مصدر مشارك في مراقبة أسلحة النظام الكيماوية لصالح منظمة حظر الأسلحة الكيميائية إن قوات النظام شرعت في استخدام الكلور "كسلاح ترويع" حتى تكون لها اليد العليا في ساحة المعركة عندما كانت إحدى قواعدها في كفر زيتا مهددة بالاجتياح في 2014.

وقال مسؤول كبير عمل مع الأمم المتحدة ومفتشي منظمة حظر الأسلحة الكيميائية إن سربين لطائرات الهليكوبتر أسقطا براميل متفجرة بغاز الكلور واسطوانات مليئة بعبوات الكلور من قاعدتين جويتين. وأضاف أن إنتاج مثل هذه الكمية استلزم حتما طاقما فنيا ودعما لوجيستيا مما يشير إلى أن العملية كانت تحت إشراف قادة كبار.

وذكر المصدر الذي شارك في دراسة الأسلحة الكيماوية للنظام لصالح منظمة الأسلحة الكيميائية أن البدء في استخدام نوع جديد من الأسلحة الكيماوية جاء في وقت حرج للمنظمة. وكانت المنظمة حريصة على التخلص من مخزون قوات الأسد المعلن وعازفة عن بدء تحقيق بشأن مزاعم انتهاكات حكومية مما قد يجعل تعاونهم في مهب الريح. وأشار المصدر إلى أن هدف التخلص من المخزون، الذي خشيت حكومات غربية أن يسقط في أيدي تنظيم الدولة كانت له الأولوية على هجمات الكلور.

ونفى أوزومجو مدير عام منظمة حظر الأسلحة الكيميائية أي عزوف عن التحقيق في تقارير هجمات الكلور مشيرا إلى أنه شكل في 2014 بعثة تقصي حقائق للنظر فيها. لكن هذه البعثة لم تكن مكلفة بإلقاء اللوم وخلصت إلى أن استخدام الكلور كان ممنهجا وواسع النطاق.

وقال أوزومجو إن المجلس التنفيذي التابع للمنظمة تسلم نتائج الفريق. وأدان استخدام الكلور ونقل النتائج إلى الأمم المتحدة. وقال متحدث باسم الأمم المتحدة إن من المنوط بمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية تحديد ما إذا كانت دولة عضو قد انتهكت حظر الأسلحة الكيماوية.

وقالت كين التي كانت كبيرة ممثلي الأمم المتحدة في نزع الأسلحة لرويترز إنه كان يتعين على أوزومجو التعامل مع أمور لم تبلغقوات الأسد منظمة حظر الأسلحة الكيميائية بها ومن بينها مواد كيماوية غير معلنة وكذلك عدم الإبلاغ عن مركز الدراسات والبحوث العلمية الذي كان فعليا مقر البرنامج.

وأضافت "لماذا بحق الرب لم يتحقق بعد ذلك بثلاثة أعوام ونصف العام المزيد من التقدم لتوضيح هذه الالتباسات؟ لو كنت رئيسة لمنظمة كهذه... لذهبت إلى دمشق وواجهت هؤلاء الناس".

وقال أوزومجو إن منظمة الأسلحة الكيميائية مقيدة بمعاهدة تأسيسها وهي اتفاقية الأسلحة الكيمائية لعام 1997. وأضاف أن المنظمة غير ملزمة بالتصرف عندما ينتهك أحد أعضائها الاتفاقية. وتحديد المسؤول عن استخدام الأسلحة الكيماوية من مسؤولية بعثة أخرى تابعة للأمم المتحدة ومنظمة حظر الأسلحة الكيميائية تعرف باسم آلية التحقيق المشتركة وتأسست في 2015. وأحال متحدث باسم آلية التحقيق