الأثنين 2018/06/18

اللاجئون السوريون والانتخابات التركية: هاجس التضييق لا الطرد

يسير الرجل الستينيّ أبو ياسر نحو بقاليته الصغيرة في مدينة أنطاكيا جنوب تركيا، على أنغام مكبرات الصوت التي يُسمع صداها في الشوارع التركية هذه الأيام، وهي تنشد أغاني دعائية للحملات الانتخابية، قبل بدء الانتخابات البرلمانية والرئاسية المقررة في الرابع والعشرين من هذا الشهر.

ورغم تصاعد دعوات أحزاب المعارضة التركية، لطرد اللاجئين السوريين، فإن أبو ياسر لا تبدو عليه مشاعر القلق والترقب التي تسود أوساط اللاجئين عموماً، خصوصاً بعد انضمام ميرال أكشنر، زعيمة حزب "إيي" (الجيد) المعارض، المنشق عن الحركة القومية، إلى أكبر حزب تركي معارض، وهو حزب "الشعب الجمهوري"، بالحديث عن طرد السوريين، حيث تعهدت أكشنر الشهر الماضي بإعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم حال فوزها في انتخابات 24 حزيران/ يونيو.

وكان حزب "الشعب الجمهوري" قد رشح محرم اينجه للانتخابات الرئاسية، وعاد الحزب ليؤكد سياسته المعادية للاجئين، حيث عمد اينجه إلى استثارة الناخبين، وتعبئتهم على السوريين، بقوله، "تم صرف 40 مليار دولار على 4 ملايين لاجئ سوري، بهذه المبالغ كنا بنينا مليوني منزل"، مبيناً أنه بحال فوزه، "سيساهم بذهاب السوريين لبلادهم على إيقاع الطبول والمزامير".

يقول الرجل، الذي خرج من سوريا واستقر في تركيا منذ نحو أربع سنوات، لـ"العربي الجديد"، إنه "لا المعارضة، ولا حزب العدالة والتنمية يستطيع إخراج السوريين من تركيا، فقط من يستطع فعل ذلك هو الشعب التركي، ونحن والشعب التركي يد واحدة وخندق واحد ضد عدو تركيا وعدو سوريا".

ويقر الستيني الذي يعيل أسرة مكونة من عشرة أشخاص، أن فوز حزب "العدالة والتنمية" في الانتخابات التشريعية، وفوز الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، "يعطي طمأنينة للاجئين السوريين"، لكنه وبابتسامة عريضة على محياه، يؤكد أن "هذا الفوز في حال تكرر، فإنه يعطي طمأنينة للشعب التركي أولاً، لأن المعارضة دائماً ما تدعو لطرد السوريين في برامجها عوضاً عن تقديم برامج تخدم المواطن التركي، وهذا يفشلهم في الانتخابات لا ينجحهم".

تضييق على اللاجئين

يبلغ عدد اللاجئين السوريين في تركيا، حسب آخر إحصائية لوزارة الداخلية التركية ودائرة الهجرة التابعة لها 3 ملايين و424 ألف لاجئ سوري، ورغم أنه لم تسجل حالات طرد للاجئين السوريين منذ بداية دخولهم إلى تركيا منذ أكثر من ست سنوات، إلا أن المعارضة التركية نجحت في الحد من سياسة الباب المفتوح، التي تتهم بها حكومة "العدالة والتنمية".

وعمدت الحكومة التركية إلى الحد من تدفق اللاجئين السوريين إلى أراضيها منذ أكثر من عامين، كما فرضت تأشيرة دخول على السوريين من الخارج، بالإضافة إلى منع التنقل بين الولايات التركية، إلا بطلب "إذن سفر"، والذي عادة يقابل بالرفض في معظم الولايات، إلا في الحالات المرضية.

يضاف إلى ذلك، مبادرات سياسية قامت بها أنقرة، لتمنع تدفق اللاجئين، من خلال عملية "درع الفرات"، وعملية عفرين أخيراً، وإعادة أعداد من اللاجئين السوريين إلى منازلهم بفضل هذه العمليات، لكن مع الحرص على ضمان عودتهم لمناطق آمنة بعيداً عن القصف والقتل اليومي.

كما يفيد التذكير بما قاله الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في مارس/آذار الماضي، عندما أكد على حل مشكلة عفرين وإدلب، قائلاً "نحن نريد عودة إخوتنا اللاجئين إلى ديارهم، وهم أيضاً يرغبون في العودة إلى أراضيهم بأسرع وقت ممكن، ولا يمكننا الاحتفاظ بـ 3.5 ملايين لاجئ إلى ما لا نهاية، يمكن لقسم منهم أن يبقى هنا"، في إشارة من الرئيس التركي على ما يبدو إلى اللاجئين الذين تم تجنيسهم ويتم، على أساس المؤهلات العلمية والاستثمارات.

الطالبة الجامعية إيمان حذيفة في جامعة مصطفى كمال أتاتورك، تعتقد أن هناك احتمالا كبيرا في أن المعارضة التركية قد تقوم بطرد السوريين، لأن "سياسة المعارضة ضد سياسة أردوغان"، لكنها ترى أنه بالنسبة للطلاب، من غير المرجّح إمكانية طردهم، غير أنها تعبر عن خشيتها من "اتخاذ إجراءات للتضييق علينا أو فرض رسوم أو ما شابه".

أما المُدرّسة روان الحسين، الحاصلة على الجنسية التركية مؤخراً، فتشارك رأي حذيفة بالحديث عن التضييق، وتقول لـ"العربي الجديد"، إن دعوات المعارضة لا تؤثر عليها، لكن في حال نجاحها، فإنه "سيصار إلى تضييق علينا".

لا طرد للسوريين قانوناً

يعيش اللاجئون السوريون في تركيا، تحت قانون الحماية المؤقتة، والتي تختلف عن الحماية الدولية المؤقتة، فالأولى تطبق استثناءً، بشكل منفصل عن الحماية الدولية، وبالتالي فإن اتفاقية جنيف الدولية 1951 غير ملزمة لها، وتصدر عادة بموجب قرار للسلطة التنفيذية، حسب الآليات القانونية في الدولة.

في تركيا وحسب اللائحة التنظيمية لتطبيق الحماية المؤقتة، فإن هناك مادة مؤقتة تتعلق بشمول كل القادمين من سورية من تاريخ 28/4/2011، بسبب الأحداث الجارية هنالك بتطبيق الحماية المؤقتة وفقاً لأحكام هذه اللائحة، فهل هذا يعني عدم قدرة المعارضة التركية على طرد اللاجئين السوريين.

حسب رئيس "تجمع المحامين السوريين الأحرار"، غزوان قرنفل، فإن "قانون الحماية هو جزء من المنظومة القانونية الدولية أولاً، إضافة لكونه قانوناً وطنياً تركياً، وبالتالي فإنه لا يمكن لمن يدعو لطرد اللاجئين السوريين مخالفة مضامينه".

ويؤكد قرنفل أن "الحق في الحماية جزء أصيل من حقوق الإنسان، وتركيا لديها التزامات دولية في هذا السياق لا يمكنها العبث بها".

وعن دعوات المعارضة التركية، يرى الخبير الحقوقي في حديثه لـ"العربي الجديد"، أنها عبارة عن "دغدغة لمشاعر قسم من الجمهور التركي ممن يتخذون موقفًا عنصريًا من اللاجئين السوريين من قبل بعض الساسة وبعض مرشحي الرئاسة التركية"، مشيراً إلى أن "هذا مؤسف ولا يشي إلا بقصر نظر هؤلاء فهم يشعلون بتلك الترهات جذوة نار ستنعكس سلبًا على إمكانية التعايش والاندماج المجتمعي".

ويشدّد على أنهم (أحزاب المعارضة التي تدعو لطرد السوريين)، "بالتأكيد يدركون أنه على المستوى القانوني لا يستطيعون إبعاد وترحيل اللاجئين السوريين لبلادهم طالما لم تستقر فيها الأوضاع الأمنية والسياسية بما يسمح لهؤلاء بالعودة الآمنة".

لا ضرر لتركيا من اللاجئين

ويؤكد المصدر نفسه، أن "تركيا بكل المعايير ليست متضررة اقتصاديًا من وجود اللاجئين السوريين، فالاتحاد الأوروبي قدم لتركيا 6 مليارات يورو للإنفاق على التعليم والصحة والمساعدات الاجتماعية للسوريين".

ويضيف قرنفل "كما أن هناك آلاف الشركات السورية العاملة في تركيا وتبلغ نشاطاتها الاقتصادية مئات ملايين الدولارات، ومعظم السوريين فتحوا أعمالًا متوسطة خاصة بهم تكفل لهم سبل العيش وينفقون ملايين أخرى من الدولارات بعثت الحياة في العديد من المدن كمرسين مثلاً".

ويخلص إلى القول إنه "لا يمكن، ولا يحق لهؤلاء الساسة الغوغائيين إطلاق تصريحات وقطع عهود لا يمكنهم تحقيقها بشأن ترحيل اللاجئين، قبل أن يعم السلام بلدهم وهو مخالف للقانون الدولي لحقوق الإنسان".

والجدير ذكره أن نحو 9% من السوريين في تركيا، يقيمون بمخيمات ويتلقون مساعدات بسيطة من تركيا ودول أخرى، فيما يتوزع 90 % على المدن والولايات، يعملون بأجور وشروط أقل من الأتراك ويساهمون بتنشيط الاقتصاد التركي.