الأثنين 2018/12/10

الكرة الشاملة.. ابتكرها هولندي وأبدع فيها إسباني والمستقبل للمدرّبين الشباب

كرة القدم الشاملة أو كما تسمى باللغة الهولندية «totaalvoetbal»، هي طريقة لعب تم إبداعها وتطبيقها فوق الميدان من طرف الهولندي رينوس ميتشيلز عندما كان مدرباً لنادي أياكس أمستردام ثم برشلونة الإسباني ومنتخب بلاده في سنوات السبعينيات من القرن الماضي.

وتتميز هذه  الطريقة باللعب الهجومي المعتمد على سرعة تحركات اللاعبين وتغييرهم  للخانات خلال اللقاءات، حيث يُلزم اللاعب على المشاركة في الهجوم وفي الدفاع بحسب مجريات المباراة.

وقد أبهرت هذه الطريقة العالم من خلال اللعب الجميل الذي كان يقدمه نادي أمستردام الهولندي وانعكاس ذلك ايجابياً على نتائج الفريق، حيث نال لقب كأس أوروبا للأندية البطلة لكرة القدم ( التسمية السابقة لمسابقة دوري أبطال أوروبا) ثلاث مرات متتالية ، في 1971 و 1972 و 1973.

وكان اللاعب الهولندي يوهان كرويف بمثابة قائد «الأوركسترا» لفريق أياكس أمستردام  في تلك الفترة، ولذلك لم يكن الأمر غريباً أن يضمه المدرب رينوس ميتشيلز لناديه الجديد برشلونة الإسباني في صيف 1973.

اللعب لمدة طويلة  تحت إمرة رينوس ميتشيلز، سمح  لكرويف استيعاب فلسفة الكرة الشاملة أكثر فأكثر، ما دفعه لجعلها أساس استراتيجيته التكتيكية لما أصبح مدرباً لفريق أياكس أمستردام ( من 1985 إلى 1988) ثم لنادي برشلونة ( من 1988 إلى 1996).

وطوّر يوهان كرويف، طريقة كرة القدم الشاملة لما كان مدرباً لفريق برشلونة، لتصبح ما يُسمى بـ»تيكي تاكا»، وتتميز بالاستحواذ الكبير على الكرة، وكان حينها النجم الإسباني بيب غوارديولا لاعباً مهماً في النادي الكاتالوني ( بداية من عام 1990)، ما جعل الأخير يستلهم هذه الفلسفة و يعيد إحياءها بمجرد تسلمه الإدارة الفنية لنادي برشلونة في مايو/أيار 2008، خلفاً للهولندي فرانك ريكارد، وينجح في موسمه الأول ( 2008- 2009) في التتويج بسداسية تاريخية، متمثلة في دوري أبطال أوروبا والسوبر الأوروبي والدوري الإسباني وكأس الملك والسوبر الإسباني وكأس العالم للأندية.

بقي غوارديولا مدرباً لفريق برشلونة لمدة أربعة مواسم رياضية، حقق خلالها 14 لقباً محلياً وقارياً  ودولياً، من بينها 3 بطولات للدوري الإسباني ولقبان لدوري أبطال أوروبا لكرة القدم، ما يجعله المدرب الأكثر تتويجاً في تاريخ النادي الكاتالوني.

تطوير الكرة الشاملة بدل اندثارها

وباتتالكرة الشاملةهي القاعدة الأولى التي يعتمد عليها المدربون خلال المباريات الرسمية، لكن الاختلاف يكمن في الخطط التكتيكية التي ينتهجونها فوق الميدان وكيفية توظيف اللاعبين الذين يضمّهم الفريق.

فما زال معظم المدراء الفنيين ينتهجون الطريقتين الكلاسيكيّتين ( 4-4-2) و ( 4-3-3) ، ولكن  بطريقة عصرية، أي نفس الخطة قد تكون هجومية أو دفاعية، والتي تتغير خلال المباراة بحسب مجريات اللقاء، فأصبح هنالك ما يُسمي ( 4-3-1-2) و (4-1-3-2) و ( 4-1-4-1) و ( 4-2-3-1) و( 5-3-2) و ( 3-5-2) و ( 5-4-1) و ( 3-4-3).

وهذا ما يعني أنّ الكرة الشاملة لم تتراجع، إذ لا يزال المدربون الناجحون يفضلون الاعتماد على اللاعبين المتعددي الخانات وسريعي الحركة والقادرين على التأقلم مع اللعب الجماعي واستيعاب الخطة التكتيكية المنتهجة بحسب مجريات المباراة، والخطة التي يطبقها الفريق المنافس.

التواضع وحب التعلم سر نجاح غوارديولا وزيدان

وبعد رحيله عن برشلونة، نجح غوارديولا في نيل عدة ألقاب محلية مع نادي بايرن ميونيخ الألماني ثم مع فريقه الحالي مانشستر سيتي الإنكليزي، ليصبح بذلك رمزاً لنجاح المدرب الشاب في العقد الأخير الذي شهد بروز ظاهرة المدربين الشباب، وتحوّل كرة القدم إلى لعبة أكثر جماعية، مقابل اندثار الخطط والتكتيكات الكلاسيكية.

فإلى جانب غوارديولا، نجح المدربون الشباب في فرض بصماتهم على تاريخ الكرة العالمية وبالخصوص الأوروبية، على غرار الفرنسي زين الدين زيدان الذي قاد نادي ريال مدريد الإسباني لنيل لقب دوري أبطال أوروبا ثلاث مرات متتالية ( 2016 و 2017 و 2018) والإيطالي ماسيمليانو أليغري الذي نال لقب الدوري الإيطالي لكرة القدم 5 مرات، واحدة مع ميلان (2001) وأربعة مع يوفنتوس (2015 و 2016 و 2017 و 2018) بالإضافة لبلوغ نهائي دوري أبطال أوروبا في سنتي 2015 و 2017.

ونجح أيضاً الإسباني لويس أنريكي في التتويج بلقب دوري أبطال أوروبا مع نادي برشلونة في موسم 2014- 2015، بالإضافة للقب الدوري الإسباني في موسمي 2015- 2016.

وتألق الفرنسي ديديه ديشامب مع منتخب بلاده، حيث قاده إلى نهائي بطولة أمم أوروبا لكرة القدم في عام 2016، ثم التتويج بكأس العالم في روسيا الصيف الماضي.

زيدان صنع معجزة بتحقيق 3 ألقاب متتالية لدوري أبطال أوروبا مع ريال مدريد قبل أن يستقيل / رويترز

ونجح أيضاً الإسباني لويس أنريكي في التتويج بلقب دوري أبطال أوروبا مع نادي برشلونة في موسم 2014- 2015، بالإضافة للقب الدوري الإسباني في موسمي 2015- 2016.

وتألق الفرنسي ديديه ديشامب مع منتخب بلاده، حيث قاده إلى نهائي بطولة أمم أوروبا لكرة القدم في عام 2016، ثم التتويج بكأس العالم في روسيا الصيف الماضي.

ولعل من أبرز عوامل نجاح هؤلاء المدربين الشباب في العشرية الأخيرة شخصيتهم القوية الممزوجة بالتواضع، حيث لم يبخلوا على أنفسهم في دراسة «مهنة التدريب» في المعاهد الرياضية، مثلما كان الحال مثلاً بالنسبة لغوارديولا الذي تخرج من مدرسة مدريد لمدربي كرة القدم عام 2006 ، أو زيدان الذي درس 3 سنوات كاملة في معهد ليموج الفرنسي، وهي معاهد، بالإضافة إلى الخطط التكتيكية وكيفية الإعداد البدني ومختلف البرامج الدراسية الرياضية التي تقدّمها، فإنها تًدرّس دروساً في مادة علم النفس الرياضي الذي يساعد في فهم كيفية التعامل مع اللاعب من الناحية النفسية وتحضيره معنوياً للتألق في المباريات.

ومن المؤكد أنّ هذا الجانب السيكولوجي قد لعب دوراً كبيراً في نجاح المدربين الشباب في السنوات الأخيرة مقارنة بنظرائهم «الكهول»، حيث أنّ طريقة تعامل غوارديولا  أو زيدان أو أنريكي مع لاعبي فرقهم تختلف عن تلك التي يلجأ إليها البرتغالي جوزيه مورينيو أو الإسباني رافائيل بينيتيز اللذين أصبحا يفقدان السيطرة على غرف تغيير ملابس الأندية التي يشرفان على تدريبها بسبب شخصيتهما «التسلطية»، ما ينعكس سلباً على نتائج فرقهما، مثلما حدث للبرتغالي مع تشيلسي في بداية موسم 2015- 2016  ويحدث له حالياً مع مانشستر يونايتد؛ أو ما جرى للإسباني مع ريال مدريد في النصف الأول من موسم 2015 -2016.

انتهاء عصر الديناصورات!

يُلاحظ في السنوات الأخيرة أنّ المدربين لم يعودوا يعمرون لفترة طويلة في نادٍ واحد مثلما كان الحال في السابق مع الإسكتلندي السير ألكس فيرغسون مع نادي مانشستر يونايتد الإنكليزي ( 27 سنة)، أو الفرنسي آرسين فينغر مع فريق آرسنال الإنكليزي ( 22 سنة)  أو الفرنسي غي رو مع نادي أوكسير الفرنسي ( 34 سنة).

وقد علّق على هذا الأمر، المدرب السابق لمنتخب فرنسا، ريمون دومينيك، قائلاً: «لقد انتهى عصر الديناصورات».

ريمون دومينيك الذي يشغل حالياً منصب رئيس نقابة المدربين الفرنسيين، أوضح في تصريحات لموقعFOOT MERCATOفي شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي: «تخيل مسار مثل ذلك الذي قام به فيرغسون أو فينغر أو غي رو  يعتبر أمراً خرافياً في الوقت الحالي».

وتابع دومينيك متحدثاً عن تجربته الخاصة  في تدريب فريق ليون الفرنسي من 1988 إلى 1993: «عملت 5 سنوات في ليون، وعندما وصلنا لنهاية العام الخامس، أي نهاية عقدي، قال لي رئيس النادي (جون ميشال أولاس) ‘حسناً يجب أن نتوقف’.. أعتقد أنه كان على حق لأني كنت مرهقاً حقاً. كنت أشعر أنه أصبح من الصعب علي تمرير الرسائل للاعبين كما أنّ الصورة التي كان يملكها عني الناس من الخارج لم تعد كما كانت من قبل. لقد أصبحت مع مرور الوقت كلعبة قديمة محطمة مركونة في الزاوية لم يعد يستعملها الأطفال».

هذا الكلام لريمون دومينيك يشبه كثيراً ما قاله مواطنه زين الدين زيدان عندما برر رحيله عن نادي ريال مدريد في شهر يونيو/حزيران الماضي: «لم أعد أملك ما أقدمه للفريق، فاللاعبون باتوا بحاجة لخطاب جديد يحفزهم على الاستمرار في نيل الألقاب».

ويشبه أيضاً كلام غوارديولا ولويس أنريكي عند مغادرتهما لنادي برشلونة، حين بررا الأمر بحاجتهما الماسة للراحة.

ما يعني أنّ مدربي رياضة كرة القدم باتوا يعيشون ضغطاً كبيراً داخل النادي وخارجه بسبب حتمية النتائج الآنية واستمرارها، ما يحرمهم من مواصلة مزاولة مهنتهم المفضلة ويدفع الكثير منهم للتحول إلى مجال التحليل الرياضي التلفزيوني.

الجرأة والعفوية أهم صفات المدرب الناجح مستقبلاً

ومن أبرز المدربين الشباب الذين تتنبأصحيفة LEQUIPEالفرنسية بتألقهم في المستقبل القريب الألماني توماس توخيل (45 عاماً)، المدير الفني الحالي لنادي باريس سان جيرمان الفرنسي، ومواطنه جوليان نيغليسمان (31 سنة)، مدرب فريق هوفنهايم الألماني، والهولندي جيوفاني فان برونكهورست (43 عاماً)، مدرب نادي فينورد روتردام، والإسباني أيتور كارانكا (45 سنة)، المدرب الحالي لفريق نوتينغهام فوريست الإنكليزي.

ويعتبر نيغليسمان هو أصغر مدرب يقود فريقاً خلال دور المجموعات في تاريخ مسابقة دوري أبطال أوروبا لكرة القدم، وذلك لما أشرف على نادي هوفنهايم أمام شاختار دونيتسك الأوكراني، يوم 19 سبتمبر/أيلول 2018، وهو في عمر 30 عاماً و 58 يوماً، بحسب شبكة OPTA العالمية للإحصائيات والتحليل الرياضي، وهو الخبر الذي نقلته صحيفةLE FIGAROالفرنسية.

ويتميز كل هؤلاء المدربين الشباب بالجرأة  خلال المباريات من خلال اللعب الهجومي ومنح الفرصة للاعبين الشبان وعدم الإفراط في الاعتماد على النجوم، بالإضافة للعفوية في تعاملهم مع لاعبي فرقهم واعتبارهم كزملاء في النادي قبل أن يكونوا لاعبين تحت إمرتهم.