الأحد 2017/11/19

مطعم مغربي عماله من ذوي الإعاقة الذهنية (صور)

كخلية نحل لا تنفكُ عن العمل بين المطبخ وموائد الزبائن، ينشغل عشرة شبان وشابات من ذوي الإعاقة الذهنية داخل مطعم "هدف" فير العاصمة المغربية الرباط.

ويشكل المطعم الذي أنشأته جمعية "آباء وأصدقاء الأشخاص المعاقين ذهنيا" (هدف) غير الحكومية أول مبادرة من نوعها في المغرب، تسعى لإدماج هذه الفئة من ذوي الاحتياجات الخاصة اجتماعيا ومهنيا.

بابتسامة بريئة وعينين مترقبتين، يراقب عمرو وتوفيق زبائن المطعم الهادئ، وبينما يقفان على أهبة الاستعداد لتسجيل طلبات الزبائن وتلبيتها وترتيب الطاولات، ينشغل زملاؤهم داخل المطبخ في إعداد الأطباق تحت إدارة "الشيف" كريمة الرحماني.

لمسة إبداع خاصة

تقول مديرة المطعم عيشة القاسمي لوكالة الأناضول إن الزينة المستخدمة داخل المطعم وبعضا من أدواته، تجسيد عملي لإبداع شباب الجمعية في مختلف الورشات. وتضيف أن هؤلاء الشباب عكفوا على إنجاز أشغال يدوية خاصة بالمطعم في ورشات داخل المركز الذي يُعنى بتعليمهم فنون الخياطة والرسم على الزجاج، فضلا عن الطبخ.

يبدأ يوم مسؤولة المطعم بتقديم شرح حول مختلف الأطباق المزمع تقديمها للشباب الموكل إليهم الخِدمة، وترافقها جملة من التوصيات تتعلق بطريقة التقديم والابتسامة والإعراب عن أمنيات صادقة بشهية طيبة للزبائن.

وبكلمات خجولة، يقول الشاب عمرو لعروسي (28 عاما) إن تجربته أكسبته سعادة كبيرة، خاصة مع مغادرة الزبائن وهم راضون عن الخدمة. ويرحب عمرو -الذي قضى عشر سنوات في مقر المركز متعلِّما ومتدربا ومستخدما- بزوار المطعم، ويسجل طلباتهم ثم يبلغ زملاءه داخل المطبخ، ثم يقدم وجبة مقبلات وطبقا رئيسيا وتحلية.

تذليل الصِّعاب

المطعم التضامني كما يصفه القائمون عليه، اتخذ له شعارا ترويجيا يقول "لا يقتصر الأمر على كونه مطعما فقط، إنه مكان لتشارك التجارب وتبادلها". ويعمل المطعم منذ انطلاقه قبل ستة أشهر ثلاثة أيام (الثلاثاء والخميس والجمعة) في الأسبوع بصفة مؤقتة.

وتقول عيشة القاسمي "لا نريد الضغط على هؤلاء الشباب، ونفضل التعامل معهم بمبدأ التدرج لإدماجهم بسلاسة في وسط مهني له متطلباته وضغطه". وتضيف بثقة أن المطعم سيعمل مستقبلا على استقبال زواره خمسة أو ستة أيام في الأسبوع، و"لِمَ لا وهؤلاء الشباب رغم إعاقتهم الذهنية يحدوهم أمل كبير في العمل وإبراز جهودهم وكفاءتهم إلى الملأ".

 

وترى "الشيف" كريمة أن هذه المهنة صعبة وتتطلب تركيزا ومعرفة بمختلف مراحل الطبخ، منوهة برغبة الشباب المتدربين وصبر المدربين الذي ألان الصعاب وذللها بشكل حوّل المطعم من مجرد مشروع إلى واقع على الأرض يسير بخطوات ثابتة نحو إرضاء زبائنه.

هذا الرضا كان واضحا على مُحيَّا زبونة فرنسية الجنسية أبدت إعجابها بمظهر الأطباق، وأثنَت على مذاقها ولذتها. وأعربت آني لازغاك خلال حديثها للأناضول عن تأثرها بالاستقبال الحار الذي خُصَّت به من طرف هؤلاء الشباب، وقالت "المكان وديع وجميل والأكل لذيذ.. هؤلاء الشباب هم أطفالنا، وأرى أنهم يشتغلون بمهنية عالية".

نظرة نمطية

مشروع المطعم الذي ساهمت في تمويله المبادرة الوطنية للتنمية البشرية (برنامج حكومي يدعم المشاريع الاجتماعية) يسعى إلى استقلال هؤلاء الشباب ذاتيا، وتحسين نظرة الرأي العام حول قدراتهم، وإعدادهم للولوج إلى سوق العمل.

غير أن هذا المسعى الذي يعمل المركز على تحقيقه يصطدم بنظرة المجتمع ككل، وأصحاب المقاولات والمطاعم بصفة خاصة، ممن يتخوفون ويرفضون تشغيل هذه الفئة.

وتقول رئيسة جمعية "هدف" ومؤسستها أمينة لمسفر للأناضول إن عددا كبيرا من الشباب المعاقين ذهنيا الذين تخرّجوا في المركز لم يتمكنوا من ولوج سوق العمل، كما لم يحظوا بفرص تلائم قدراتهم وكفاءتهم.

حقوق مهضومة

رغم استفادة مجموعة من أبناء المركز من تدريب ثان على مستوى المركز الوطني محمد السادس للأشخاص في وضعية إعاقة بمدينة سلا (حكومي)، ينتهي بحصولهم على شهادات معترف بها، فإن الحصول على فرص شغل حقيقية تبقى مسعى بعيد المنال.

الدستور المغربي يؤكد في الفصل 34 ضرورة إعادة تأهيل الأشخاص الذين يعانون من إعاقة جسدية أو حسية حركية أو عقلية، وإدماجهم في الحياة الاجتماعية والمدنية، وتيسير تمتعهم بالحقوق والحريات المعترف بها للجميع. لكن تفعيل مقتضيات هذا الفصل يبقى نادرا.

وكشف بحث لوزارة التضامن والمرأة والأسرة والتنمية الاجتماعية أن معدل بطالة الأشخاص في وضعية إعاقة خفيفة إلى عميقة جدا يقدر بـ47.65%. وسجل البحث معدل بطالة في صفوف الأشخاص في وضعية إعاقة من متوسطة إلى عميقة جدا بلغ 67.75%.