الأثنين 2018/06/04

خواطر رمضانية…تقزم المفاهيم

المفاهيم مثل العلم والعمل والعدل والمساواة وغيرها هي لبنات التفكير عند الإنسان وهو يتبادلها كمفردات مع الآخرين للتعبير عن أشياء كثيرة تندرج تحت هذا المسمى فقول شخص في معرض النصح "عليكم بالعمل الصالح " مثلا تستدعي في وعينا أمثلتها وصورةً لما أطلق عليه صاحبنا "العمل الصالح" وهو لن يتعب نفسه بذكرها لأنها تبدو واضحة بذاتها بين أبناء مجتمع معين أو ما يمكن أن نسميه (المعهود الذهني) فما هو في مثالنا المعهود الذهني للعمل الصالح في البيئات الاسلامية ؟

عند الكثيرين تلقائيا ونحن في رمضان وبطبيعة الحال حيث الجرعة الوعظية أكبر ستتداعى للذهن صوراً مثل قراءة القرآن وقيام الليل والتراويح وإفطار صائم وربما الامتناع عن التلفزيون و اخراج الصدقات وقل ذلك عن غير رمضان حيث سيضاف حفر بئر في أفريقيا أو بناء مسجد أو مستوصف أو شراء بقرة لعائلة فقيرة وكل ذلك عمل صالح يدل على طيبة القلب والنزعة الخيرية ولكن لن نسأل أنفسنا عن مفهوم العمل الصالح في القرآن وضخامته فهو مربط الفرس في حديثنا ولنقارن ما ذكرنا بما استعرضه القرآن من أمثله بشكل مقتضب هنا حتى لا يمل القارئ فمهمة موسى(اذهبا إلى فرعون إنه طغى) أي إصلاح سياسي وعمل دَاوُدَ في الصناعات العسكرية (أن اعمل سابغات) أي دروع حربية وعمل ذو القرنين في تقنية السدود العملاقة عمل صالح (آتوني زبر الحديد...أفرغ عليه قطرا) فهذا سد بين جبلين من الحديد والنحاس يقوم به هذا الرجل الصالح وهذا يوسف عليه السلام (اجعلني على خزائن الأرض )فبناء الاقتصاد والاهتمام به عمل صالح وهكذا يستمر القرآن بإعطاء نماذج من يزرعون ومن يعملون في البحر ومن يعبدون ومن يرفقون بالضعيف.

نعود لمفهوم العمل الصالح في مثالنا الشعبي وما أنتجه من فهم وبين القرآن وما يشير إليه فنجد المسافة بينهما هائلة إن ما في عقولنا هو شبح أو صورة مقزمة لذلك المعنى العملاق الذي يطرحه القرآن وصناعة الحضارة هي بنت المفاهيم العملاقة فلا غرابة أن نتراجع حضاريا ما دمنا نستدعي صوراً مقزمة للمفاهيم وما ذكرناه بالنسبة لمفهوم العمل ينصرف إلى بقية المفاهيم.

فبين سقف القرآن وسقيفة التصورات الشائعة مسافة كبيرة هي ذاتها المسافة التي تفصلنا عن دخول السباق الحضاري ...ولكن ماذا يعني ذلك عمليا؟

عمليا هذا ملف للاشتغال كبير هو يعني عملية إنتاج وعي جديد بين المشتغلين بالوعظ والمتحدثين باسم الدين لأنهم المصدر الأقوى في صناعة الوعي الجمعي وقل ذلك عن نخب الفكر ومعاهدنا العلمية فحين تستعيد المفاهيم قامتها تستعيد الأمة مكانتها.


الشيخ جاسم السلطان