الجمعة 2017/12/01

التسمم بالزئبق خطير.. كيف تحمي نفسك؟

الزئبق مادة سامة جداً، لذا من المفترض أن تكون مستوياته في أجسامنا وفي دمنا صفر، ولكننا نتعرض بشكل شبه يومي للزئبق؛ سواء من خلال حشوات الأسنان أو من خلال الأسماك وغير ذلك من مصادر التعرض، ما يجعل مستويات الزئبق في أجسامنا أعلى من المعدلات الآمنة، فما هي مصادر الزئبق؟ ومن هم الأكثر عرضة للتسمم به؟ وما هي أعراض التسمم؟ وكيف يمكن حماية أنفسنا وأولادنا؟

* ما هو الزئبق؟

الزئبق (Hg) هو معدن ثقيل يمكن العثور عليه في قشرة الأرض، وهو يصدر في البيئة مع الظواهر الطبيعية مثل الانفجارات البركانية.

ويحدث الزئبق عادة في ثلاثة أشكال: عنصرية وعضوية وغير عضوية.

وفي الطبيعة يوجد الزئبق أساساً داخل مركبات وأملاح غير عضوية، وهو معدن ثقيل يكون ساماً على نحو خطير على صحتنا.

* التأثيرات السامة للزئبق

أظهرت دراسات عديدة أن التعرّض الشديد للزئبق يسبّب تسمم الجهاز العصبي المركزي؛ ما يمكن أن يؤدي إلى التهيج والتعب والتغيرات السلوكية والتشنجات والصداع وفقدان السمع والفقدان المعرفي والهلوسة حتى الموت.

كما أن التعرض للزئبق يمكن أن يؤثر سلباً على نظام القلب والأوعية الدموية، ما يؤدي إلى ارتفاع ضغط الدم في البشر والحيوانات.

يجب أن تكون كمية الزئبق الموجودة داخل أجسامنا تساوي صفراً، ومع ذلك، بسبب نظامنا الغذائي والتعرض البيئي واختيار حشوات الأسنان وغير ذلك، فإن كل شخص في العالم تقريباً لديه كمية ضئيلة جداً من الزئبق في جسمه.

التسمم بالزئبق عادة ليس مشكلة صحية تحدث بين عشية وضحاها، إذ تستغرق مستويات الزئبق وقتاً في الدم حتى ترتفع وتسبب أعراضاً، والزئبق يخرج من الجسم ببطء من خلال البول والبراز وحليب الثدي، فإذا كنت تستهلك قدراً كبيراً من الأسماك التي تحتوي نسبة عالية من الزئبق، فإن جسمك يمكن أن يستغرق عاماً كاملاً حتى تهبط مستويات الزئبق عند التوقف عن تناول الأسماك الغنية بالزئبق.

في حين لا توجد وسيلة لتفادي الزئبق تماماً طالما كنت تعيش على كوكب الأرض، لكن هناك كثيراً من الطرق لتقليل التعرض للزئبق بشكل طبيعي لأن الزئبق لا يخدم أي غرض في أجسادنا، ما يعني أننا نرغب في الحد من التعرض للزئبق قدر الإمكان.

* من الأكثر تعرضاً للتسمم بالزئبق؟

عندما يتعلق الأمر بمستويات الزئبق في أجسادنا يعتبر مستوى الزئبق الكلي الطبيعي للدم بين صفر وتسعة نانو غرام لكل ملي لتر (نغ/ مل).

1. يمكن أن يكون لدى الأشخاص الذين يتعرضون بانتظام للزئبق بسبب مهنهم، مثل أطباء الأسنان، مستويات كاملة من الزئبق في الدم تصل إلى 15 نانوغرام/ مل.

2. الناس الذين يحصلون على حشوات الملغم قد يكونون في خطر أيضاً.

وفي أيلول/ سبتمبر 2016 نشر الباحثون دراسة أولى من نوعها تبين أن حشوات الملغم تسهم إسهاماً كبيراً في مستويات الزئبق المطولة في الجسم.

كذلك حدد باحثو جامعة جورجيا العدد السحري لحشوات الزئبق التي يحتاجها لزيادة مستويات الدم، وأظهرت الدراسات أن الأفراد الذين لديهم أكثر من ثماني حشوات لديهم زئبق في دمهم بمعدلات أكثر بمقدار 150% من أولئك الذين ليست لديهم حشوات.

جرى العثور على الزئبق الأولي في حشوات الأسنان، ومقياس الحرارة الزجاجي، ومصابيح الفلوريسنت الكهربائية والمفاتيح الكهربائية.

* أعراض التسمم بالزئبق

ويمكن أن تشمل الأعراض المزمنة للتعرض الأولي للزئبق:

1. طعم معدني في الفم.

2. قيء.

3. صعوبة في التنفس.

4. سعال شديد.

5. تورم ونزيف اللثة.

وقد يحدث تلف دائم في الرئة والموت تبعاً لكمية استنشاق الزئبق، وتلف الدماغ على المدى الطويل ممكن أيضاً.

يوجد الزئبق العضوي أو المثيل زئبق في الأسماك، خاصة تلك المشوية على الفحم، حيث يخرج الزئبق مع الأبخرة الناتجة عن حرق الفحم، ومن المحتمل أن يؤدي التعرض المتراكم على المدى الطويل إلى هذا النوع من الزئبق إلى ظهور أعراض في الجهاز العصبي بما في ذلك:

1. خدر أو ألم في أجزاء معينة من الجلد.

2. اهتزازات لا تمكن السيطرة عليها.

3. عدم القدرة على المشي بشكل جيد.

4. العمى والرؤية المزدوجة.

5. مشاكل الذاكرة.

6. التشنجات والموت (مع التعرض لكمية كبيرة).

- خطر التسمم بالزئبق لدى الحوامل

عندما يتعلق الأمر بمستويات عالية من الزئبق، يحب أن تكون النساء الحوامل أكثر حذراً،

ووفقاً للمعهد الوطني لعلوم الصحة البيئية فإن النساء الحوامل اللواتي يستهلكن أسماكاً فيها نسبة عالية من الزئبق بشكل منتظم يخاطرون بإصابة الأجنة بشكل دائم، ونحن لا نتحدث عن أضرار طفيفة، ومن المعروف أن الأطفال المولودين لهذه الأمهات يعانون من عجز إدراكي وصعوبات حركية ومشاكل حسية، وبالتالي فتحذير الأمهات من الزئبق هو بالتأكيد حقيقي يستحق الاستماع له من أجل الجنين.

* الأسباب الشائعة للتسمم بالزئبق ومصادره

تعتبر الأنشطة البشرية مثل حرق الفحم وتعدين الذهب هي المصادر الرئيسية للزئبق التي يتم إطلاقها في بيئتنا حالياً، ويستخدم عادة الزئبق المعدني أو الزئبقي (وهو سائل عديم الرائحة؛ لامع فضي أو أبيض) في موازين الحرارة والباروميتر ومصابيح الفلوريسنت.

وبسبب المخاوف بشأن سمية الزئبق تم التخلص التدريجي من موازين الحرارة الزئبقية لمعظم المستشفيات وغيرها من المرافق السريرية.

يمكن أن يحدث التسمم بالزئبق نتيجة التعرض لأشكال الزئبق القابلة للذوبان في الماء مثل (مثيل الزئبق) أو استنشاق أبخرة الزئبق أو عن طريق تناول أي شكل من أشكال الزئبق.ووفقاً لبحث نشر في "صحة البيئة" في عام 2007 فإن أهم مصادر السكان في التعرض للزئبق هي مثيل الزئبق (MeHg) من المأكولات البحرية، والزئبق غير العضوي (I-Hg) من الطعام، وبخار الزئبق (HgO) من حشوات الأسنان الملغم.

أكد البحث نفسه أن الحصول على الزئبق من الوجبات الغذائية (أساساً من خلال الأسماك) له "تأثير ملحوظ" على تركيزات الزئبق في الدماغ، وأن التعرض لحشوات الملغم يزيد أيضاً من تركيزات الزئبق في الدماغ.

ووفقاً لوكالة حماية البيئة فإن الطريقة الأكثر شيوعاً التي نتعرض لها للزئبق في الولايات المتحدة هي استهلاك الأسماك التي تحتوي على هذا المعدن الثقيل الخطير.

1. حشو الملغم/ الزئبق

هل لديك حشوات الملغم؟ قد تعرف على أنها حشوات الزئبق أو "حشوات الفضة"، وهناك احتمالات إذا كان لديك تجويف في الأسنان أنها مليئة بالملغم، وهو واحد من حشوات الأسنان الأكثر شيوعاً لتسوس الأسنان.

يبدو من الصعب أن تصدق لكن الزئبق لا يزال يستخدم عادة في طب الأسنان اليوم، ويتكون الملغم من الزئبق السائل (نحو 50 في المائة من الوزن) ومسحوق سبائك المعادن كالفضة والقصدير والنحاس، وهذه الحشوات يظهر فيها اللون الفضي ويطلق عليها لقب حشوات الفضة.

وفقاً لمختبرات مايو كلينك الطبية فإن تحرير الزئبق من حشوة الملغم يومياً يكون عن طريق عملية طبيعية في الجسم وهي المضغ، ويتم تحرير يومياً ما يقارب 2 إلى 20 ميكروغرام،

ومضغ العلكة يسبب الإفراج عن الزئبق من حشوات الملغم بشكل كبير وفوق العادي، وما يثير مزيداً من القلق أن بعض النباتات تحول هذا الزئبق إلى الزئبق المؤكسد وميثيل الزئبق اللذين ثبت أنهما يندمجان مع أنسجة الجسم.

وما يحاول الخبراء الإشارة إليه هو أن المشكلة ليست في كمية الزئبق التي تم إصدارها بواسطة حشوات الملغم لأنها ليست كبيرة بما فيه الكفاية، ولكن المشكلة بالتعرض اليومي للزئبق وتراكم الزئبق في الأنسجة.

إذا كانت الحشوة في فمك مضى عليها كثير من الوقت فإن الفرص اليومية لإطلاق الزئبق في أنسجة جسمك تزداد.

2. الأسماك الغنية بالزئبق

في الولايات المتحدة يقال إن استهلاك الأسماك هو المصدر الرئيسي للزئبق، وعادة ما توجد أعلى تركيزات من ميثيل الزئبق في الأسماك الكبيرة التي تأكل الأسماك الأخرى.

وتشمل الأسماك التي تحتوي نسبة عالية من الزئبق: سمك البلاط وسمك أبو سيف وسمك القرش وسمك الماكريل وسمك التونة، وهذه هي الأسماك الخمس الأولى، وعندما يتعلق الأمر بمستويات عالية من الزئبق فإن سمك البلاط هو الأعلى نسبة.

ولسوء الحظ فإن طهي قطعة السمك لا يقلل نسبة الزئبق فيها، إذ وجد أن مستويات الزئبق في كل من السمك الخام والمطبوخ مماثلة.

قد تتساءل كيف يوجد الزئبق حتى في الأسماك، ووفقاً لمقالة تقارير المستهلك لعام 2014 ارتفعت مستويات الزئبق في شمال المحيط الهادئ نحو 30 في المائة على مدى السنوات الـ 20 الماضية، ومن المتوقع أن ترتفع بنسبة 50% أكثر بحلول عام 2050 مع زيادة انبعاثات الزئبق الصناعي.

هذا وفقاً لدراسة عام 2009 من قبل المسح الجيولوجي في الولايات المتحدة وجامعة هارفارد، التي أوضحت أن الأسماك المفترسة الأكبر حجماً هي أعلى في الزئبق لأن لديها مزيداً من الأنسجة لتراكم الزئبق، كما أنها تميل إلى العيش لفترة أطول من الأسماك الصغيرة منخفضة الزئبق مثل السردين.

عليك أن تعلم أنه عند تناول المأكولات البحرية التي تحتوي على ميثيل الزئبق (methyl mercury) أن أكثر من 95% من الزئبق يمكن استيعابها في مجرى الدم؛ ثم يمكن أن ينتقل إلى جميع أنحاء الجسم ويخترق خلايا الأنسجة والأعضاء المختلفة، إذ يمكن أن تبقى مخزنة لسنوات، ما يمكن أن يسبب أعراض التسمم بالزئبق.

3. الأعشاب الطبية

من المعروف أن الأدوية العشبية المصنوعة خارج الولايات المتحدة تحتوي على مستويات سامة من الزئبق.

وبما أن هذه المنتجات لا تخضع لرقابة إدارة الغذاء والدواء فهي غير محددة بأية معايير للنقاء، وهذا سبب آخر يدفعك لاختيار المكملات الغذائية العشبية بعناية فائقة.

* طرق لتجنّب التسمم بالزئبق وعلاجه

سأخبركم عن بعض الطرق الطبيعية للحد من التعرض للزئبق، وكذلك كيفية الحد من الزئبق الذي تراكم بالفعل في الجسم.

1. تقليل التعرض للزئبق

إذا كنت تعرف أن لديك مستويات عالية من الزئبق يجب عليك وقف التعرض له على الفور، إذا كنت تعرف أن المصدر الرئيسي للزئبق في حياتك اليومية هو تناول الأسماك يجب التوقف عن تناول الأسماك ذات المستويات العالية بالزئبق، واستبدالها بمصادر البروتين الأخرى الخالية من الزئبق.

عندما يتعلّق الأمر بالزئبق الموجود في الأسماك تقوم إدارة الأغذية والعقاقير ووكالة حماية البيئة بإسداء المشورة للنساء اللواتي قد يصبحن حوامل، والنساء الحوامل والمرضعات، والأطفال الصغار بعدم تناول الأسماك عالية الزئبق، وأكل كميات محدودة من الأسماك والمحار التي تحتوي كميات أقل من الزئبق.

2. التخلص من سموم المعادن الثقيلة (Detox)

لمساعدة جسمك على التخلص من سمية الزئبق، يمكنك اتباع التوصيات للتخلص من سموم المعادن الثقيلة.

لإزالة سمية المعادن الثقيلة بنجاح مثل الزئبق؛ تجب زيادة تناول فيتامين (ج) والخضراوات الورقية الخضراء والكزبرة.

الكزبرة هي في الواقع واحد من أفضل الخيارات العشبية عندما يتعلق الأمر بالتخلص من سموم المعادن الثقيلة.

3. العلاج بالاستخلاب Chelation Therapy

العلاج بالاستخلاب هو خيار آخر عندما يتعلق الأمر بالسموم والمعادن الثقيلة، ووضعت هذه التقنية لأول مرة واستخدمت في عام 1950 لعلاج التسمم بالمعادن الثقيلة، يتم تنفيذ العلاج باستخدام حمض (ethylenediaminetetraacetic acid EDTA) لإزالة المعادن الثقيلة المشتركة بما في ذلك الرصاص والزئبق والنحاس والحديد والزرنيخ والألمنيوم والكالسيوم.

العلاج بالاستخلاب يحتوي على محلول كيميائي يدعى (EDTA)، والذي يمكن حقنه مباشرة في مجرى الدم، لذلك يمكن أن يرتبط بالمعادن الزائدة في الدم.

(EDTA) تساعد الجسم في التخلص من سمية المعادن الثقيلة عن طريق إزالتها قبل حدوث اختلالات في الجسم أو تطور الأمراض.

4. استخدام نبات الحرشف البري (شوكة مريم) (milk thistle)

بينما أشرنا سابقاً إلى أهمية الابتعاد عن العلاجات العشبية المشكوك بها، والتي يمكن أن تحتوي على نسبة عالية من الزئبق إلا أن هناك بعض العلاجات العشبية التي يمكن أن تساعد حقاً في الحد من مستويات الزئبق في الجسم.

على سبيل المثال ثبت أن شوكة مريم فعالة في دعم إزالة سمية المعادن الثقيلة، ويسمى العنصر النشط في ذلك سيليمارين (silymarin)، ولها آثار تطهير لا تصدق على الكبد والمرارة، والتي يمكن أن تساعد جسمك بشكل أكثر فعالية في الشفاء من التسمم بالزئبق.

5. تحفيز الجسم للتخلص منه بشكل طبيعي

من الضروري جداً للتخلص من سمية المعادن الثقيلة التأكد على الأقل بأن لديك حركة أمعاء طبيعية ومنتظمة، وهذا مهم حتى لا تتم إعادة امتصاص الزئبق الذي يحاول جسمك التخلص منه، ومن خلال تناول نظام غذائي غني بالألياف، وشرب ما يكفي من المياه وممارسة الرياضة بانتظام يمكنك تجنب الإصابة بالإمساك.

6. زيادة استخدام المعينات الحيوية (probiotics)

في عام 2012 درست مجموعة من البحوث آثار البروبيوتيك على الناس الذين تعرضوا للتلوث بالمعادن الثقيلة كالزئبق، ووفقاً للدراسة فإن أنواع البكتيريا الجيدة المعروفة باسم Lactobacillus، والتي تكون موجودة في الفم البشري والأمعاء وكذلك الأطعمة المخمرة، لديها القدرة على الارتباط وإزالة سمية بعض المعادن الثقيلة، ويمكنك تناول المكملات الغذائية التي تحتوي على هذه البكتيريا النافعة أو الحصول عليها من الأطعمة المخمرة مثل اللبن والكافيار والكيمتشي.

من خلال جعل هذه البروبيوتيك جزءاً منتظماً من النظام الغذائي الخاص بك، ويمكنك تحسين صحة الأمعاء ومساعدة الجسم على تطهير نفسه من التسمم بالزئبق.