الأثنين 2018/09/10

وول ستريت جورنال: واشنطن تستطيع قلب المعادلة بسوريا

بقلم: دينيس روس

المصدر: وول ستريت جورنال

ترجمة: مركز الجسر للدراسات

بالنسبة لبوتين لا شيء مجانيا، ولحماية مصالح الولايات المتحدة على ترامب أن يتبنى الموقف نفسه.

أعلن بشار الأسد بدء حملة استعادة إدلب، آخر معقل رئيسي لمجموعات الثوار النظامية. تعج المحافظة، الواقعة في الشمال الغربي لسوريا، بالمدنيين السوريين النازحين؛ الذين فروا من مناطق أخرى: من حلب في كانون الأول / ديسمبر 2016، والغوطة الشرقية في نسيان / أبريل 2018، ودرعا في حزيران / يونيو الماضي، جراء القصف العشوائي للقوات الروسية وقوات النظام على هذه المدن. يقول مسؤولون في الأمم المتحدة إن نحو 800 ألف شخص معرضون للتشرد والهرب من المحافظة في حال حدوث هجوم وعدم وجود لمكان آمن يمكنهم اللجوء إليه.

لن يقوم المجتمع الدولي بالكثير لمواجهة هذه الكارثة الإنسانية الوشيكة. وكانت قد حذرت إدارة ترامب من أنها "سترد على أي هجوم كيماوي يقومه به النظام". لكن مع تموضع القوات الروسية للقيام بعمليات قصف بحري وجوي، من غير المرجح أن يلجأ الأسد إلى استعمال الغاز.

عبر حسابه على تويتر، غرد الرئيس ترامب قائلا إنه يجب على بشار الأسد "ألا يقوم بهجوم متهور على محافظة إدلب" كما حذر "الروس والإيرانيين من ارتكاب خطأ إنساني فادح عبر المشاركة في هذه المأساة الإنسانية المحتملة"، فجاء رد الروس عبر قصف إدلب.

تواصل في هذه الأثناء القوات الإيرانية وتحديدا فيلق القدس والمليشيات الشيعية الإيرانية توغلها في المناطق التي يستعيدها النظام، محدثة تغييرا ديموغرافيا طائفيا على الأرض. في ظل عدم وجود رادع، سيواصل المحور "الإيراني-الروسي-الأسد" تعزيز سلطته بالمنطقة.

ينبغي إعادة النظر في الادعاءات بوجود انقسامات بين هذه القوى الثلاث؛ فعلى الرغم من تباعد مصالحهم لم يُظهر الروس استعدادا للتخلي عن الإيرانيين أو الأسد، بل إنهم ينكرون استخدام هذا الأخير لأي أسلحة كيماوية خلال الحرب التي يشنها على المدنيين.

مما لا شك فيه أن الروس قد أصبحوا أصحاب الكلمة الفصل في سوريا بسبب تقاعس الولايات المتحدة. فإذا أرادت هذه الأخيرة أن تمنع إيران من تعزيز نفوذها عبر إنشاء ممر بري يمر من سوريا وصولا إلى لبنان والبحر المتوسط، فعليها أن تقوم بذلك من خلال الروس. وإذا أرادت أن تقلل من التصعيد القائم بين إسرائيل وإيران ـ في الوقت الذي تسعى فيه إيران إلى تهديد أمن إسرائيل عبر سوريا كما تفعل من خلال حزب الله في لبنان ـ فإنها تحتاج إلى التعاون مع الروس. لكن فلاديمير بوتين لا يقدم شيئا دون مقابل. لكن السؤال المطروح هو إذا ما إذا كانت إدارة ترامب مستعدة للاستفادة من ذلك بالشكل المطلوب؟

يبدو أن الروس يحاولون اللعب على حبلين وذلك من خلال القول بأنه من غير الواقعي توقع خروج القوات الإيرانية والمليشيات التابعة لها من سوريا، وبين محاولتهم معرفة ما يمكن الحصول عليه جراء التوسط في اتفاق كهذا.

الشهر الماضي، اقترح نيكولاي باتروشيف، سكرتير مجلس الأمن الروسي، مقايضة على مستشار ترامب للأمن القومي، جون بولتون، تقضي بإسقاط الولايات المتحدة للعقوبات الايرانية مقابل قيام روسيا بإنشاء منطقة عازلة في سوريا خالية من المليشيات الإيرانية والشيعية بالقرب من حدود إسرائيل. رفض بولتون الفكرة، إلا أنه أعلن بعد اجتماعه مع باتروشيف أنه يعتقد أن الروس يريدون من إيران مغادرة سوريا.

في الوقت الذي يبدو فيه الروس مهتمين أكثر بلعب دور الوسيط في الاتفاقات ذات التأثير المحدود جراء مقابل، من الناحية النظرية، يجب أن تكون الولايات المتحدة قادرة على إبرام صفقة جيدة.

يعد موقف الولايات المتحدة أقوى من موقف روسيا بوجود شركاء لها في المنطقة. فقد اعترف مسؤولون إسرائيليون مؤخرا بضرب نحو 200 هدف إيراني في سوريا، هذا بالإضافة إلى الوجود العسكري التركي في إدلب والمناطق التي حولها، ناهيك عن انتشار القوات الأمريكية شمال شرق سوريا؛ إذ تسيطر الولايات المتحدة وشركاؤها على نحو 40٪ من الأراضي السورية.

لسوء الحظ، تواجه العلاقات التركية-الأمريكية أزمة، فقد قام الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، بتصعيد لهجته ردا على العقوبات التي فرضها ترامب على تركيا عقب احتجاز السلطات التركية للقس أندرو برونسون. يُجري أردوغان محادثات مع الروس لمعرفة ما إذا كان ممكنا إعادة تطبيق اتفاقيات وقف إطلاق النار في إدلب. لكن الغارات الجوية الروسية التي تلت قمة طهران، التي جمعت كلا من أردوغان وحسن روحاني وفلاديمير بوتين، قد تفتح الباب أمام الولايات المتحدة لتسوية العلاقات التركية-الأمريكية.

لدى البلدان مصلحة استراتيجية في منع إيران وروسيا من تعزيز نفوذهما في سوريا. يجب على واشنطن أن تحاول معرفة ما إذا كانت لدى أنقرة رغبة في التنسيق بخصوص الروس.

عيًن ترامب مؤخرا جيمس جيفري ممثلا خاصا لانخراط الولايات المتحدة الأمريكية في سوريا. يعد السيد جيفري سفيرا سابقا في تركيا وتجمعه علاقات جيدة بالرئيس التركي.

تجمع الولايات المتحدة وتركيا وإسرائيل مصلحة مشتركة في الحد من نفوذ إيران ومليشياتها الشيعية في سوريا. تستطيع روسيا الحد من النفوذ الإيراني، لكنها تريد خروج الولايات المتحدة من سوريا في المقابل. يمكن لإدارة ترامب أن تقترح انسحابا أمريكيا شريطة الحد من أنشطة القوات الإيرانية والمليشيات التابعة لها وذلك من خلال: عدم وجود قواعد عسكرية إيرانية في سوريا، عدم استعمال قذائف أرض-أرض؛ عدم تصنيع صواريخ أو أنظمة توجيه متقدمة في سوريا أو لبنان؛ عدم وجود رادارات أو صواريخ دفاعية جوية جديدة؛ عدم تواجد القوات الإيرانية أو وكلائها في المناطق منزوعة السلاح بالقرب من تركيا أو إسرائيل أو الأردن.

بالنسبة لبوتين لا شيء مجانيا، لذا يجب على الولايات المتحدة أن تتبنى الموقف نفسه إذا ما أرادت حماية المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط.