الجمعة 2016/09/30

باحث أمريكي: لا يحق لسياسيي واشنطن إعطاء الدروس لأنقرة

اعتبر باحث أمريكي أنه لا يمكن للسياسيين الأمريكيين تلقين أنقرة دروسا، قائلا إن هؤلاء السياسيين مذنبون، على الأقل لعدم قيامهم بمتابعة والتحقق من أنشطة فتح الله غولن خلال وجوده في الولايات المتحدة، وقبل قدومه إليها.

وقال مايكل أ رينولدز، الباحث في قسم دراسات الشرق الأدنى في جامعة برنستون الأمريكية، في مقال له بعنوان “ديمقراطية تتعرض للأذى: الولايات المتحدة وفتح الله غولن والتغيير في تركيا“، نشره على الموقع الإلكتروني لمعهد أبحاث السياسة الخارجية (Foreign Policy Research Institute)، إن وجود فتح الله غولن في الولايات المتحدة، يلقي بظلاله على العلاقات بين البلدين.

وأشار “رينولدز” في مقاله، أن أنقرة تطالب الولايات المتحدة بإعادة فتح الله غولن، وتحذّر بقطع علاقاتها مع واشنطن في حال لم تفعل ذلك، مشيرا أن هذا ليس موقف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وحده، أو موقف شخصي لبضعة أفراد، وإنما 81.5% من الأتراك يرغبون في إعادة غولن، ويعتبر 77.7% منهم، أن غولن ومناصريه يمثلون تهديدا لمستقبل تركيا.

وأوضح “رينولدز” أن غولن لم يسقط من أعين المواطنين الأتراك لكونه معارضا، وإنما لاعتقادهم أنه لعب دورا هاما في محاولة زعزعة النظام العام في تركيا، والإطاحة بالحكومة التركية باستخدام القوة، وأنه دمية في يد المصالح الأجنبية.

(لماذا يغضون الطرف عن إقامة غولن في الولايات المتحدة؟)

يقول “رينولدز”، في مقالته إنه تم غض الطرف عن إقامة غولن في الولايات المتحدة، رغم التحذيرات التركية منه على مدى سنوات، مضيفا “لا يمكن للسياسيين الأمريكيين إعطاء دروس لأنقرة، إن هؤلاء السياسيين مذنبون، على الأقل لعدم قيامهم بمتابعة والتحقق من أنشطة فتح الله غولن خلال وجوده في الولايات المتحدة، وقبل قدومه إليها. غولن شخص مؤثر جدا. لماذا غضّت الإدارة الأمريكية الطرف عن وجود غولن على أراضيها رغم معرفة الأتراك بأهداف غولن وتحذيرهم المتكرر منه على مدى سنوات؟ لقد ألحق مناصرو غولن ضررا كبيرا بالديمقراطية التركية، وبسيادة القانون من خلال تحقيقات إرغنكون وبايلوز”.

واعتبر “رينولدز” أن الخطاب الذي استخدمه المسؤولين والمراقبين الأمريكان والأوروبيين بعد المحاولة الانقلابية الفاشلة التي شهدتها تركيا، لم يكن ملائما، مضيفا أن “النداء الذي وجهه الرئيس الأمريكي باراك أوباما، خلال المحاولة الانقلابية الفاشلة لجميع الأطراف للتحرك في إطار القانون، لم يكن فقط سخيفا للغاية في دعوته متمردين مسلحين للالتزام بالقانون، وإنما كان حياد أوباما بمثابة اعتراف ضمني بالمتمردين كطرف لا تقل مشروعيته عن الحكومة المنتخبة التي يسعون للإطاحة بها”.

وقال “رينولدز” إن “غولن لم يقم أبدا بتوبيخ مناصريه على تضليلهم أو على هجومهم على منتقديهم، كما لم يقم هو أو مناصريه بالاعتذار عن أفعالهم الخاطئة. وأظهر مقطع فيديو مسرب أن غولن قام لعقود، بتطبيق عقلية وطريقة عمل، تقوم على ازدراء القانون والشعب على حد سواء”.

كما أشار “رينولدز” إلى أن غولن ومناصريه قابلوا حسن الضيافة الذي لاقوه في الولايات المتحدة، بالخرق والانتهاك الممنهج للقوانين الأمريكية، في ولاية تلو أخرى. مؤكدا أن الشعب الأمريكي غير مدين بأي شيء لغولن.

وأضاف “رينولدز” أن “المخاوف من أن تؤدي إعادة غولن إلى تقوية أردوغان، والترويج للديكتاتورية، ومن ثم تقويض ما تبقى من الديمقراطية في تركيا، من أسباب عدم الحماس الأمريكي الملحوظ لتسليم غولن إلى تركيا. إلا أن المسؤولين الأمريكيين سيحسنون صنعا لو انتبهوا لحقيقة أن قيامهم بإيواء غولن بهدف دعم “الإسلاميين المعتدلين الديمقراطيين” وترويج الديمقراطية، أدى إلى إلحاق الضرر بالديمقراطية الرائدة في العالم الإسلامي، والتي كانت أحد الدعامات النادرة للاستقرار في الشرق الأوسط”.

واعتبر “رينولدز” أنه كلما تخلصت الولايات المتحدة، بشكل أسرع، من تظاهرها بمعرفة مصلحة تركيا أفضل من الأتراك أنفسهم، كلما كان ذلك أفضل للجميع.

وأشار “رينولدز” أن مكتب المواطنة والهجرة في الولايات المتحدة، رفض في البداية طلب غولن لأنه لم يجده مقنعا، واعتبر أن غولن يسعى لاستخدام ذرائع أكاديمية للتغطية على أهداف أخرى له، خاصة أنه غير حاصل على شهادة دراسية في المجال التربوي وليس له إسهامات أكاديمية، إلا أنه في النهاية تمت الموافقة على طلب غولن، ولعب دورا في ذلك اثنان من العاملين السابقين في وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، والسفير الأمريكي السابق في أنقرة “مورتون أبراموفيتش”.

وأوضح “رينولدز” أن المواطنين الأتراك كانوا يتساءلون، حتى قبل المحاولة الانقلابية الفاشلة، عن السبب الذي يدعو غولن للبقاء في الولايات المتحدة، حتى بعد أن قضت محكمة تركية عام 2006، بإسقاط جميع التهم الموجهة إليه.

(سقوط 241 شهيدا نتيجة محاولة الانقلاب الفاشلة)

وقال “رينولدز” الذي نقل تفاصيل محاولة الانقلاب إلى قرائه عبر مقالته، إن الانقلابيين أرادوا إطاحة الحكومة المنتخبة والقبض على الرئيس رجب طيب أردوغان وقتله، غير أنهم فشلوا في شلّ فعاليات الحكومة، واصطدموا بمقاومة شعبية سريعة ومتينة.

وذكر “وينولدز” أن رئيس الوزراء بن علي يلدريم أعلن بعد بدء محاولة الانقلاب بساعة بأن هناك تمرّد من قِبل بعص العناصر المتغلغلة داخل بنية القوات المسلحة، وأنّ هذا التمرد سيتم القضاء عليه بسرعة، مضيفا إلى ذلك إصرار رئيس هيئة الأركان خلوصي أكار على رفض الانقلاب وعدم المشاركة فيه، مبينا في الوقت نفسه أن الضباط المخلصين تعاونوا مع عناصر الشرطة، لمقاومة الانقلابيين فيما دعا الرئيس أردوغان عامة الشعب للنزول إلى الشوارع ورفض الانقلاب.

كما لفت “رينولدز” أن الدور المهم الذي قامت به رئاسة الشؤون الدينية ليلة محاولة الانقلاب، عندما دعت أئمة المساجد إلى التوجه إلى أماكن عملهم وتلاوة القرآن والصلوات عبر المآذن بهدف تشجيع الناس على النزول إلى الشوارع ومناهضة الانقلابيين، مشيراً أنّ هذه المحاولة دفعت بعامة الشعب رغم اختلاف تطلعاتهم السياسية للنزول إلى الشوارع، “غير أن شعور وجوب الدفاع عن الإسلام، ربما كان من أهم العوامل التي دفعت بالشعب إلى الشوارع” حسب تقييم الكاتب.

وتأتي تسمية المنظمة بـ “منظمة غولن” من قيادة رجل (فتح الله غولن) للعديد من البنوك والمدارس والمعاهد ووسائل الإعلام والشركات في جميع أنحاء العالم رغم أنه يزعم بأنه يهتم بالشؤون الدينية، فأنصار غولن يقبضون قرابة 500 مليون دولار من دافعي الضرائب في الولايات المتحدة الامريكية إلى جانب استثماراتهم الأخرى التي يقومون بها، لافتاً أنّ المنظمة تمتلك قرابة 140 مدرسة في أمريكا.

وأوضح “رينولدز” أن العديد من الصحف الأمريكية نقلت للرأي العام الأمريكي المخالفات القانونية التي ترتكبها مدارس منظمة غولن الناشطة في الولايات المتحدة الامريكية، مبينا أن هذه المدارس كانت وما زالت مسرحا للعديد من المخالفات القانونية التي ترتكب في البلاد، وأن مكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI) فتحت تحقيقا بحق عدد من هذه المدارس في ولايات مختلفة، بتهمة تقاضي القائمين على إدارتها للرشوة، وتسريب أسئلة الامتحانات ونشاطات أخرى مخالفة للقانون الأمريكي.

(الشعب التركي رفض الخنوع للانقلابيين هذه المرة)

وتابع “رينولدز” مقالته قائلا: “الشعب التركي رفض البقاء صامتا أمام الانقلابيين هذه المرة، فقد هرع آلاف المواطنين إلى الشوارع في أنقرة وإسطنبول، فلو تكللت محاولة الانقلاب بالنجاح، لكانت تركيا ستدخل في دوامة كبيرة ولربما ينتهي الأمر بحرب أهلية أساسها الدين، وذلك على عكس الانقلابات السابقة التي حصلت في تركيا، والتي كانت تتمثل في بسط القوات المسلحة سيطرتها على إدارة البلاد، ومن ثمّ تترك الإدارة لحكومة مدنية ديمقراطية”.

وأردف “رينولدز” قائلا: “بينما يقوم الإرهابيون بالاعتداء على الدولة من الخارج بهدف نشر الفوضى والنيل من مشروعية الحكومات المنتخبة، قامت منظمة غولن بالتغلغل إلى بنية الدولة التركية، واستطاعت فرض حاكميتها على المؤسسات الأمنية والقضائية والمالية، وعززوا من قوتهم داخل الدولة من أجل القضاء على أي شخص يعارضهم ويعترض مشاريعهم، فقد استخدموا طاقات الدولة بشكل يخالف القوانين والأنظمة”.

وعن هيكلية المنظمة وطريقة ترابط شبكاتها أوضح “رينولدز” أن عناصر المنظمة يرتبطون ببعضهم البعض عبر علاقات صداقة محدودة ويشتركون في الطاعة والولاء لقادتهم، مشيرا أن هيكل المنظمة يجعل من الصعب معرفة عدد أعضائها ومنتسبيها.

وأشار “رينولدز” أن بعض المعطيات تقول بأن عدد منتسبي المنظمة يبلغ 5 ملايين شخص، مبينا أن القوة الاقتصادية للمنظمة في جميع أنحاء العالم يتراوح ما بين 20 إلى 50 مليار دولار أمريكي.

وذكر “رينولدز” أن زعيم المنظمة فتح الله غولن فر إلى الولايات المتحدة الامريكية في عام 1999، بعد أن شعر بأن القوات المسلحة التركية عازمة على اعتقاله نتيجة شعور الأخيرة بوجود تعاون بينه وبين الولايات المتحدة الأمريكية.

وكانت القوات المسلحة قد أعاقت بنسبة كبيرة محاولات غولن في اقتحام عناصره الجيش، الأمر الذي دفع به في أواخر الثمانينات إلى التغلغل في بنية الشرطة وجهاز الأمن، فبدأ بتنفيذ مخططه التغلغلية مطلع التسعينيات وأقحم عناصر داخل هيكل الشرطة والأمن.

وأكّد “رينولدز” أن غولن لم يتصرف كرجل دين، وأنه فسّر الإسلام باستعاضة الأخلاق بدل العبادة، والتسامح بدل النقاء النظري والسذاجة، وتعلّم علوم الشرق واللغة الانكليزية بدل القرآن، مبينا أن اهتمامه بالديمقراطية إلى جانب تصرفاته المذكورة، جعل منه الشخص المرغوب لدى بعض الساسة والمحللين الامريكيين.