الأحد 2018/12/09

هكذا تعامل نظام الأسد مع احتجاجات “الستر الصفراء”

تدخل احتجاجات "الستر الصفراء" في فرنسا أسبوعها الرابع، وامتدت لتشمل دولاً أوروبية أخرى، وقد تمتد أكثر من ذلك مؤذنة بتغيّر أوروبا التي نعرفها اليوم، وقد لا يحصل ذلك البتة.

الأمران جائزان في دول حية، وفي مجتمعات ترى مطالبها حقوقها لا أحلاماً.

المهم في الأمر أن الحكومة الفرنسية رضخت بالفعل لمطالب "الستر الصفراء"، وألغت قرار رفع أسعار القيود، غير أن المحتجّين رفعوا سقف المطالب، ووجدوها فرصة لوضع ماكرون أمام استحقاقات كان وعد بها في برنامجه الانتخابي.

أمام حدث يشغل اليوم الحيّز الأكبر من التغطية الإعلامية الدولية، تنوعت طرق معالجة الاحتجاجات بين دولة وأخرى، والسياسة بالتأكيد هي من يرسم الخط العام لقراءة الأحداث، فعلى حين اعتبرت بعض تلك الوسائل أن الاحتجاجات تعطي الصورة الحقيقية عن أوروبا الحية، قام بعضها باقتناص الفرصة للهجوم على الحريات الأوروبية من خلال تعامل الشرطة الفرنسية مع المتظاهرين، فيما وجد آخرون في تلك الاحتجاجات منبراً ملائماً لتشويه أي حراك شعبي على وجه الأرض.

كما فعل موقع قناة "روسيا اليوم" الذي قام بتزوير حديث لإحدى المتظاهرات على أنها شرطية فرنسية تدعو المحتجين إلى "عدم تخريب أوطانهم كما فعل العرب!"، ثم ليقوم الموقع بحذف الخبر عند اكتشاف أمره ممن دقق في القضية وعمل على إظهار الترجمة الصحيحة لحديث السيدة الفرنسية.

وسط هذا وذاك، يفاجئ نظام الأسد العالم بطريقة تعاطيه مع احتجاجات "الستر الصفراء" في فرنسا، وخلال الأيام الماضية سلّط إعلام الأسد الضوء على ما يجري في فرنسا، واتخذ منه مناسبة ملائمة "للانتقام" من فرنسا التي كانت من أوائل دول أسقطت الشرعية عن بشار الأسد ومنظومته الأمنية بعد اندلاع الثورة السورية.

في إعلام النظام بدأ الحديث  -بلا خجل- عن أحقية مطالب المحتجين، وعن الطريقة "العنيفة" التي واجهت بها الشرطة الفرنسية الشارع الغاضب، في حالة تمثل حالة "الفصام المزمن" لدى نظام لا يزال منذ ثماني سنوات يمارس الإبادة الجماعية على السوريين، لأنهم خرجوا ذات ربيع بمطالب أقل بكثير مما أراده الفرنسيون من حكومة ماكرون.

هذا "الفصام المزمن" الذي يعانيه نظام الأسد منذ نشوئه سمح لإعلامه بأن يهاجم تعامل الأمن مع المتظاهرين الفرنسيين، رغم أن مشاهد قنص المتظاهرين السلميين في سوريا لم يمض عليها سوى أعوام قليلة!

ليس إعلام الأسد فقط من عاش حالة "الفصام" تلك، بل إن بعض الكيانات التابعة له، وبعض مؤيديه أدلوا بآرائهم تجاه احتجاجات فرنسا، حتى وصل الأمر بما يسمى "المكتب التنفيذي للاتحاد الوطني لطلبة سورية" بإصدار بيان ينصح فيه الطلاب السوريين في فرنسا بـ"توخي الحيطة والحذر وعدم التواجد في الأماكن المتوترة وخاصة شارع الشانزيليزيه نظراً لخطورة الوضع في العاصمة الفرنسية وخروج الأوضاع عن السيطرة في اكثر من مرة، مع تردي المستوى الأمني المتكرر بأكثر من مكان وعدم قدرة الشرطة الفرنسية على ضبط الحالة الأمنية".

فيما لم يشر البيان إلى أن سوريا – على الرغم من استعادة النظام مناطق كثيرة – لا تزال أخطر أمكنة الأرض على الإنسان عموماً، وعلى فئة الشباب خصوصاً، إزاء ما يتعرضون له من اعتقالات من نوع ثانٍ تتعلق بسوقهم إلى التجنيد وساحات القتال بسلاسل العبيد، وفقاً لما أظهرت مؤخراً صورة انتشرت على مواقع التواصل!. واللافت أن البيان  السابق اختتم بعبارة "ويتمنى في الوقت نفسه لزملائنا السلامة والنجاح في مهمتهم الدراسية والعودة سالمين الى أرض الوطن الآمن سورية"!

وعلى صعيد آخر تداول ناشطون منشوراً لفارس الشهابي الذي يشغل منصب "رئيس غرفة التجارة والصناعة في حلب" تناول فيه بطريقة ساخرة ما يجب على النظام أن يفعله بشأن ما يجري في فرنسا. وأوضح الشهابي في المنشور أن ما يجري في باريس اليوم شبيه بما حدث في حلب عام 2011، وبناء عليه طالب "حكومته" بمعاملة فرنسا "بالمثل" وفرض عقوبات على مسؤولين فيها؛ لأنه "ما حدا أحسن من حدا" بحسب تعبيره!.